قضايا وآراء

«هامش» دي ميستورا بين موسكو ودمشق

مازن بلال : 

لم يستطع المبعوث الدولي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، كسر المعادلة الإقليمية التي تحكم الأزمة السورية، وزيارته الأخيرة إلى دمشق بقيت على هامش التحولات التي يشهدها الحدث السوري، فالمنطق الدولي يرسم خطوط التوافق الإقليمي في ظل معادلة عسكرية تحاول الضغط شمالا من خلال تركيا ومشروعها بالمنطقة العازلة، وجنوبا عبر الأردن والسعودية، فـ«الشرط الإقليمي» لا يحكم فقط سير المعارك بل يحاول أيضاً إيجاد قاعدة الحل عبر صياغة توازن لأطراف المعارضة وفق ثقلها الإقليمي وليس الداخلي.
عمليا فإن المساحة الزمنية منذ أن طرح دي ميستورا خطته على مجلس الأمن الدولي وانتهاء بزيارته إلى دمشق؛ شهدت تجاوز موسكو لـ«الشرط الإقليمي» للأزمة السورية، والواضح أن الدور الروسي يتحرك وفق مؤشرين أساسيين:
– الأول قرار دعم الجيش السوري لتثبيت خيار أساسي في حل الأزمة سياسيا، فظهور دولة «هشة» قائمة على توازن إقليمي بعد أي تفاوض بين المعارضة والحكومة؛ سيؤدي إلى سياق سياسي يفتح منطقة الشرق الأوسط بأكملها كجبهة عازلة بين روسيا، أو جنوب أوراسيا، والبحر الأبيض المتوسط.
وفق تصور موسكو الحالي فإن تحييد المجموعات المسلحة سيؤثر بشكل مباشر في أي تفاوض قادم، وسيمنع الأدوار الإقليمية من إحداث تحول جيوستراتيجي على مستوى الجغرافية السورية عموما، فموسكو التي تطمح لدفع دول الجوار السوري باتجاه منظومة أمن إقليمي، تريد للحل السياسي أن يتجاوز البعد السوري على الأخص أن الإرهاب الحالي هو إقليمي وليس محلياً، وهو يستوطن «الحدود السياسية» للدولة السورية محاولا خلق واقع يفرض معادلة إقليمية مختلفة.
– الثاني هو الاعتبارات الإستراتيجية الروسية التي تريد الحد من التغيرات التي يمكن أن تطرأ على الدورين التركي والإيراني تحديدا، وتبدو تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمام نظيره التركي، فريدون سينيرلي أوغلو، حاسمة بهذا الخصوص، فالاعتماد على الجيش السوري لمكافحة الإرهاب وفق المنطق الروسي هو لكسر احتمال ظهور منظومة إقليمية تصبح روسيا على هامشها، فالدرس التاريخي لاقتسام المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى وانكفاء روسيا من مفاوضات باريس، التي دامت عاماً كاملا، لن يتكرر.
هذا الدور الروسي يفهم خطورة التحولات التي يمكن أن تحدث نتيجة بعض الأدوار الوظيفية لدول المنطقة؛ كما حدث في مصر في حقبة السادات أو كما يحدث حالياً بالنسبة لتركيا والسعودية، وهو ينظر إلى سورية ضمن خط متكامل يشكل حزاما يمنع العودة إلى صياغة «حرب باردة»؛ يكون الشرق الأوسط فيها «جغرافية هشة» يحتشد فيها الإرهاب والتطرف على تخوم آسيا الوسطى، ويُدخل روسيا في احتمالات «حرب الشيشان» الثالثة، والحفاظ على الدور السوري هو خلفية لا بد منها لدرء هذه المخاطر التي تشكل من الجهد الروسي منصبا على مكافحة الإرهاب، وليس على صياغة توافقات هشة تستند أساسا لتوزع المجموعات المسلحة على الحدود السورية أو باتجاه الداخل.
ضمن التحركات الدولية تجاه دمشق فإن مهمة دي ميستورا ستنتظر بعض الوقت، في حين تتبدل العلاقات الإقليمية بشكل مختلف بعد أن رسمت موسكو مشهدا آخر يضع سورية ضمن أي توازن دولي؛ ويحول أيضاً مفهوم «الحليف الروسي» إلى قاعدة مختلفة لا تضمن سيادة الدولة بالمعنى التقليدي، بل تمنح حيوية لمفهوم الأمن الإقليمي عبر تجاوز قاعدة التوتر القائمة منذ حرب الخليج الأولى (احتلال الكويت)، والاعتماد على التوازن في العلاقات الدولية تجاه كل دول المنطقة، فالخطاب الروسي لا يطرح سيناريوهاً مغلقاً تجاه الحلول السياسية، لكنه في نفس الوقت يسعى لعدم تجاوز الدور السوري كنقطة أساسية لأي حل سياسي، وهذا الدور لا يقوم على حوار «تقني» وفق خطة المبعوث الدولي، لأن في خلفية أي حل دولة سورية قائمة على موقع جغرافي يعرف الروس أهميته بالنسبة لأمنهم وأمن المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن