قضايا وآراء

سفربرلك2..

باسمة حامد :

لا شك أن طريقة التعامل الغربي والعربي والإقليمي مع أزمة اللاجئين السوريين ليست أمراً غريباً على دول عُرفت تاريخياً بنفاقها ومعاييرها المزدوجة، وبتنكرها للقيم الأخلاقية ومبادئ حقوق الإنسان!!
لكن الكارثة الحقيقية في المسألة تكمن في أن المواطن الباحث عن حياة أفضل عبر وثيقة «لجوء» ويعاني الأمرين للحصول عليها ويقطع من أجلها مسافات طويلة سيراً على الأقدام متكبداً عناء رحلة شاقة ومضنية تكلفه «الخميرة والفطيرة» يمضي إلى المجهول تماماً من دون أن يدرك أن ثمن وصوله إلى أوروبا أكبر بكثير مما يعتقد، إذ لا علاقة لهذا التوجه الغربي بالبعد الإنساني كما يتبجح قادة الغرب، فهؤلاء أبعد ما يكون عن الإنسانية والأخلاق والمبادئ، وسورية البشر والحجر والتاريخ والحضارة لطالما عانت ولا تزال من تداعيات تلك الحقيقة المغطاة بشعارات مزيفة عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فالهدف الرئيسي من فتح الأبواب الغربية أمام اللاجئين السوريين لخَّصته /مارين لوبان/ زعيمة الجبهة الوطنية الفرنسية بعبارة واضحة:»اتخاذ هؤلاء كعبيد وتشغيلهم بأجور متدنية»!!
وعلى كل حال قد لا يحتاج الأمر إلى إثباتات وأدلة وبراهين، فالمستشارة الألمانية /أنجيلا ميركل/ مثلاً تتجاهل تماماً التظاهرات المناهضة للاجئين والاعتداءات والحرائق المتعمدة التي تتعرض لها مراكزهم من مؤيدي الأحزاب اليمينية المتطرفة، وتتخذ كل ما يلزم من إجراءات لتسهيل هجرة اللاجئين السوريين وحل مشاكلهم لاستيعاب المزيد منهم (صحيفة /الأندبندنت البريطانية/ نقلت عن مسؤول ألماني قوله: إن كل أوامر الطرد بحق طالبي اللجوء السوريين ستلغى، وستصبح ألمانيا المسؤولة عن طلباتهم).
وقيام الحكومة الألمانية بإلغاء تطبيق قانون معاهدة /دبلن/ بالنسبة للاجئين السوريين «عدم إعادتهم إلى أول بلد أوروبي دخلوه» ليست خطوة عبثية (القرار دخل حيز التنفيذ منذ 21 آب الفائت)، والموقف الألماني من هذه القضية يثير العديد من التساؤلات، فبرلين تبدي اهتماماً استثنائياً باللاجئين السوريين الذين «يتلقون درجة عالية من الحماية» وفق تصريح /مليسا فليمينغ/ الناطقة باسم المفوضية العليا للاجئين، وتستعد لاستقبال مليون لاجئ سوري علماً بأنها رفضت طلبات لجوء سياسي لعدد كبير من القادمين إلى حدودها من صربيا وكوسوفو!!
بالمحصلة، وبشكل لا لبس فيه، إن أوروبا بقسميها الشرقي والغربي تتبنى سياسات انتهازية ميكافيلية بحتة وتلعب دوراً موحداً حيال موضوع اللاجئين السوريين حتى وإن أظهرت مواقف متباينة، فحليفة «إسرائيل» تجدّد شبابها على حسابهم ولا تعطيهم «حق اللجوء» لوجه اللـه تعالى، بل إنها متواطئة مع الدول الخليجية لإقفال أبوابها بوجههم لتكون الملاذ الوحيد المتاح لهم لحاجتها إلى اليد العاملة الرخيصة وترميم مجتمعاتها الطاعنة بأجيال سورية فتية!!
والمؤسف أن التدفق الهائل من المهاجرين السوريين والعراقيين إلى الغرب يثبت أنهم وقعوا في فخ القارة العجوز وارتضوا أن يكونوا مجرد قطع غيار وبدل تالف على أراضيها!!
لكن إذا كانت الذكرى تنفع المؤمنين، من الضروري التذكير بأن عمليات الهجرة في وقتنا الحالي تهدف لتفريغ المنطقة من كوادرها الفتية وكفاءاتها العلمية المؤهلة والجاهزة للبناء ودخول سوق العمل، وتتم تحت أنظار مافيات الاتجار بالبشر وبتخطيط منظم ومسبق من الأنظمة ذات الأطماع الاستعمارية كفرنسا وبريطانيا وتركيا التي ارتكبت قبل مئة عام – وتحت شعارات «إسلامية» وثورية- جريمة تاريخية بشعة اسمها: «السفربرلك» التي قضى فيها الكثير من الشباب العربي جوعاً وعطشاً ومرضاً وغرباء عن الديار بعد أن زجت بهم إمبراطورية «الرجل المريض» خارج الحدود العربية في معارك عبثية لم تجلب لبلادهم إلا الخراب والدمار والتخلف الحضاري، وما أشبه اليوم بالأمس!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن