قضايا وآراء

الدوامة الإسرائيلية والمصير المحتوم

| تحسين الحلبي

ربما يُعدّ الاشتباك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ عدوان حزيران 1967 من أكثر الأحداث، وعمليات المقاومة التي لم تتوقف بكافة أشكالها في داخل الأراضي المحتلة أو عبر حدود فلسطين المجاورة. وهذه الحقيقة تشير إليها العديد من مراكز الأبحاث الإسرائيلية وتضيف إليها: إن «قوة إسرائيل المتميزة والكبيرة جداً» لم تستطع حسم أي حرب أو معارك خاضتها لإيقاف هذا الاشتباك وما يمثله من مقاومة ضدها.
ففي لبنان ولد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 واحتلال نصف أراضيه جبهة مقاومة أخرجت قوات الاحتلال من دون قيد أو شرط وزادت من قدرات المقاومة في جنوب لبنان إلى حد أصبحت فيه إسرائيل تتجنب الاشتباك في هذه الأوقات على الأقل مع جبهة لبنان برغم إدراك خطرها البارز على كل مساحة فلسطين المحتلة.
في غزة انسحبت إسرائيل مجبرة في آب 2005 من القطاع وأخلت ثمانية آلاف مستوطن منه بعد نزع مستوطناتها منه لأول مرة من دون اتفاق أو ضمانات وتحول القطاع إلى جبهة جنوبية لا تزال قادرة على الاشتباك مع قوات الاحتلال في كل ساعة ولحظة.
في هذه الأوقات أيضاً ما زال الاشتباك بين الجيش السوري وإسرائيل متواصلاً منذ بداية الحرب الكونية ضد سورية وأصبح التحالف السوري الإيراني يشكل قدرة لم تستطع إسرائيل إضعافها أو التخلص من تشكيلاتها على الأرض، ففي آخر أبحاثه اعترف معهد «جورزاليم للإستراتيجيا والأمن» في 9 تموز الماضي بأن إسرائيل فشلت في منع وجود الدعم الإيراني لسورية لأن ذلك «سيتطلب منها مجابهة قوات برية سورية وحليفة بمئات الآلاف وهي مهمة لا يمكن فيها إبادة كل هذا العدد من القوات المسلحة».
وحين تداولت وسائل الإعلام الغربية وبعض العربية عن أن إسرائيل هي التي ضربت أهدافاً داخل العراق تعاملت وسائل الإعلام الإسرائيلية مع هذه الأنباء بطريقة أوحت فيها أن إسرائيل تبعث برسالة ردع للعراق بواسطة هذه العملية من دون وجود أي تأكيد من السلطة الرسمية الإسرائيلية لهذه الأنباء.
وحينئذ حذر محللون إسرائيليون من سياسة رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو التي ستجعل عدد جبهات الحرب ضد إسرائيل تزداد بجبهة عراقية، فتمتد ساحة الحرب في جبهة الشمال من دمشق إلى بغداد إلى طهران في حين أن مصلحة إسرائيل تكمن بنظرهم في هذه الظروف الدقيقة في إنقاص عدد الجبهات وليس زيادتها، وأصبح بعض المحللين في إسرائيل يتمنون لو أن إسرائيل لم تقم باجتياح لبنان لأن النتيجة كانت ظهور جبهة حرب متمرسة ضدها، ولو بقي لبنان كما كان قبل الخامس من حزيران عام 1982 لكان وضع إسرائيل أفضل كثيراً، وفي سورية تقارن مراكز الأبحاث الإسرائيلية بين وضع إسرائيل في الجولان قبل الحرب الكونية بالوضع الراهن الذي انتصر فيه الجيش السوري وازدادت قدراته.
على قاعدة هذه الظروف، لم يعد هناك أي قيمة لاتفاقية كامب ديفيد في إضعاف سورية أو جبهة قطاع غزة في جنوب فلسطين المحتلة منذ عام 1948، وتحولت إسرائيل داخل دوامة حروبها هذه إلى كيان تحاصره قدرات عسكرية وصاروخية هائلة ومتزايدة من كافة الاتجاهات الشمالية والجنوبية في ظل عجز أميركي عن إنقاذه من هذا الوضع الذي يحاول نتنياهو التخلص منه أو العمل على تعديله عن طريق تحريضه المكثف ضد إيران واتهامها بصناعة قنبلة نووية «تهدد باستخدامها ضد إسرائيل» لكي يجبر واشنطن على شن حرب شاملة على إيران وجبهة الشمال كلها من دون أن يدري أن الإسرائيليين الذين سيصدقون اتهامه هذا سيفرون من إسرائيل لكي يتجنبوا خطر موتهم من «صاروخ نووي» يزعم نتنياهو أن إيران بدأت بصناعته.
سواء صدّقت الإدارة الأميركية أو لم تصدّق مزاعم نتنياهو، إلا أن الإسرائيليين في النهاية سيتخذون قرارهم إما بالبقاء أو بمغادرة إسرائيل وهو ما سوف تفعله نسبة منهم، في حين أن اليهود في الخارج سيتجنبون الهجرة إليها فمنذ تزايد هذه المزاعم تناقص عدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل بنسبة كبيرة، ذكرت الوكالة اليهودية المتخصصة بتهجير اليهود أن عام 2018 لم يشهد سوى موافقة 4000 فرد على الهجرة معظمهم من المسنين الذين يدفعهم معتقدهم الديني إلى الحصول على قبر في إسرائيل.
لذلك يعتقد المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس في مقابلة أجرتها معه صحيفة «هآريتس» في 22 كانون ثاني الماضي أن «إسرائيل ستضعف كثيراً وسوف يصبح اليهود فيها أقلية بعد هروب الكثيرين منها إلى أميركا».
في واقع الأمر أصبحت إسرائيل تحيا داخل غيتو (اسم يطلق على الحي الذي كان اليهود يعزلون أنفسهم فيه عن الأغيار في أوروبا وأماكن وجودهم) في فلسطين المحتلة فقد أنشأت جداراً عند حدودها مع مصر وعند حدودها مع قطاع غزة وهي تبني جداراً عند حدودها مع جنوب لبنان وأنشأت جداراً داخل الضفة الغربية للفصل مع المدن المحتلة الفلسطينية، فهي المحاصرة ونحن الذين نحاصرها برغم كل ما تدعيه من قوة عسكرية ودعم أميركي، وهي التي ستضعف أكثر فأكثر أمام إرادة المقاومة واستمرار الاشتباك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن