الأولى

جبال تمشي على الأرض

| نبيه البرجي

أن يقول وزير خارجية خليجي: «بالمبلغ الذي حاولنا، عبثاً، أن نشتري به ذلك الضابط السوري، كان بإمكاننا أن نشتري به الجنرال جوزف دانفورد»، أي رئيس هيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة.
الذين أحذيتهم أكثر عنفواناً، وأكثر كبرياء، من تلك القامات التي تظن أنها مرصعة بالذهب، وهي المرصعة بالتنك!
كلام ليس فقط من عندنا، ونحن ننحني لأولئك الأبطال الذين يرتفع بهم التراب، ويرتفعون بالتراب، بل من الوثائق، والمقالات، والأبحاث العالمية، هذا جيش صنع المعجزات، وما حدث على الأرض يفوق الخيال، أليسوا الجبال تمشي على الأرض؟!
وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» تحدثت عن 400 جبهة في الميدان، أي جيش في التاريخ قاتل على مثل هذا العدد من الجبهات، وبأساليب كانت تفرضها ظروف اللحظة؟ قهرمانات هذا الزمان كانوا يراهنون على تفكك المؤسسة العسكرية في سورية بين ليلة وضحاها.
الضغوط الميدانية، والضغوط السيكولوجية، فوق التصور. استعيدوا مشاهد تلك الأيام، واشهدوا لجيش أسطوري لم يكن ليعرف الراحة، ولو لهنيهة. هنيهة واحدة على مدار الساعة، على مدار الأيام، على مدار الأشهر، بل على مدار السنوات، بين النيران، فوق النيران.
مستشارون، وضباط، أميركيون، وأوروبيون، وإسرائيليون، وأتراك، من أصحاب التجارب الكبيرة، كانوا على الأرض، أو في غرف العمليات، للتخطيط كما للتنفيذ. أكثر الأسلحة، والأعتدة تطوراً، وضعت بين أيدي ما يناهز مئة ألف مقاتل من أصقاع الدنيا، وقد التحق بهم من التحق.
نائب مدير الاستخبارات في البنتاغون ديفيد شيلد أحصى أكثر من 1200 فصيل، زميل بريطاني قال لي: «لو كان للجيش الأميركي أن يقاتل بمثل تلك الفاعلية، وبمثل تلك الظروف المستحيلة، لكنت تجد هوليوود تنتج آلاف الأفلام على امتداد سنوات حافلة بالأهوال».
ولندع الإسرائيليين الذين توقعوا سقوط دمشق في غضون أيام، يقرون الآن، بأنهم أمام جيش من أكثر جيوش العالم حرفية، وديناميكية، وقابلية لخوض الحروب الأشد تعقيداً.
الخبير الإستراتيجي الأميركي أنطوني كوردسمان، وقد هاله التماسك الفولاذي للمؤسسة العسكرية في سورية، لم يتردد في القول «لكأننا أمام مشاهد من الميتولوجيات القديمة».
كل الإغراءات، وكل المليارات، وكل الأبواق التي نفخوا فيها لتأجيج الغرائز، على أنواعها، لم تتمكن من أن تحدث أي تصدع مهما كان ضئيلاً في الجيش السوري. تلك الحالات الفردية، والمرضية، التي ظهرت في الأشهر الأولى، ما لبثت أن أخذت شكل الدمى، الدمى العالقة بين براثن البرابرة.
ضابط منشق، وقد بدا محطماً، التقيته في عاصمة عربية، قال لي: «لا أدري كيف أغتسل من تلك الخطيئة، منذ الشهر الرابع، شعرت بأنني أصبحت رهينة العار، لن يخطر في بالك كيف كان مسؤولو الاستخبارات الأتراك يتعاملون معنا. حين أتذكر يتفتت هيكلي العظمي. ذلك التراب العظيم الذي ترعرعت فيه يصرخ في وجهي».
أولئك الذين وقعوا في الإغواء، أو في بارانويا السلطة، إلى أي قطاع انتموا، سرعان ما لاحظوا أنهم الحيوانات الصغيرة في غابة للفيلة. هكذا قال أحد كبارهم في باريس بعدما اعتقد أنه على قاب قوسين من القمة إذ اتصل بي معلقاً على إحدى مقالاتي: «حقاً، لقد كنا على شاكلة… أكياس الشعير».
مؤازرة الحلفاء والأصدقاء، بدأت بعدما أخفق عرابو السيناريو في تقويض الدولة في سورية. الخطة (ب) كوكتيل من القوات الإسرائيلية والعربية، تتقاطع في نقطة ما، مع القوات التركية لتأخذ الحرب منحى آخر. الدول تقاتل مباشرة، بدعم صاروخي أميركي، لا عبر المرتزقة ولا عبر الانكشارية.
الخطة (ب) ماتت في المهد. في عيد الجيش، أن تزهو الجبال بالرجال، الجبال التي تمشي على الأرض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن