قضايا وآراء

الحراك الأميركي المزدوج… و«العصف الفكري» إلى أين..!؟

عبد السلام حجاب :

خذ العصف الفكري في حقيبتك. واجعل من نتائجه غير الملزمة أوراقاً لسياحة سياسية كما تشاء. ولا مانع لو أخذت هواة سياحة التفكير. فالرهانات سقطت أو تكاد. وأجنداتها السوداء كشفت عن سوء ما تدبر له وتسعى إليه. وما كانوا يحسبونه يوماً لهم بات عبئاً ثقيلاً عليهم. فالسوريون يدافعون عن حقهم السيادي في محاربة الإرهاب حتى دحره، كمقدمة لحل سياسي يلبي طموحاتهم الوطنية، وسوى ذلك هراء، وتضحياتهم لا تقبل اختراقاً، وهي شاهد على نجاعة الدواء.
يبدو أن المبعوث الدولي إلى سورية، دي ميستورا، لم يجد أمامه سبيلاً غير الحديث عن «العصف الفكري» عقب محادثاته في دمشق مع وزير الخارجية وليد المعلم. فتذكرت ما كنت قرأته عن مأدبة أفلاطون. والعصف القائم بين المدعوين، سياحة فكرية حول مائدة طعام.
وكيف أن العصف الفكري الذي يريده دي ميستورا عبر لجانه الأربع التي ما تزال موضع شك وتساؤل لمناقشة قضايا ساخنة على طاولة يصنع الإرهاب تفاصيلها الدامية ثم يقول إن نتائجها غير ملزمة ويمكن الاستفادة منها في جنيف 3 المفترض. أليست سياحة سياسية وأن في الأمر ما هو مريب!؟
لعل المراقب لما يشي به تحرك دي ميستورا والتصريحات الإعلامية اللاحقة يضعه أمام تساؤلات بينها:
1- هل أراد دي ميستورا صياغة اعتذار دبلوماسي عن تصريحاته مؤخراً في القاهرة، وهو احتمال ضعيف، لكونه غير كاف، بشكله ومضمونه، وخاصة أن الوزير المعلم أبلغه بأن محاربة الإرهاب أولوية لدى السوريين!؟
2- أم إنه أراد من «العصف الفكري» الذي تحدث عنه، مظلة واقية توفر للإرهاب غطاء سياسياً إضافياً للبوصلة الأميركية التي تحاول الاكتفاء بتقليم أظفار الإرهاب ودعوته لاحقاً إلى طاولة سياسية بربطة عنق، وهو ما يشكل حالياً محور الحراك الأميركي المزدوج بالحديث المتعدد الاتجاهات والمستويات مع موسكو!؟
لقد أعربت الخارجية الروسية بهذا الصدد عن شكوكها الكبيرة حيال نجاح التحالف الدولي بقيادة واشنطن لمكافحة الإرهاب، مؤكدة أن مساعداتنا العسكرية لسورية لا تتعارض مع أهداف التحالف الدولي إذا كان هدفه الحقيقي محاربة الإرهاب.
كما شدد الوزير لافروف في تصريح عقب لقاء نظيره التركي على ضرورة ألا تتحول مكافحة الإرهاب إلى دوس على القوانين، مؤكداً عدم وجود أي أسباب لرفض التعاون مع الحكومة السورية.
وعليه، لم يعد هناك فرص إضافية للخداع والتهويل. كما أن محاولات اللعب على هوامش الوقائع والمصطلحات السياسية والميدانية قد تحولت إلى مساحات لتمدد الإرهاب واتساع رقعة مخاطره التي أصبحت تهدد الجميع. ما يعني حكماً أن راتني المكلف الأميركي بالملف السوري أصبح متأخراً لإبلاغ «إدارته لاتخاذ ما يلزم بشأن أفعال الروس ونياتهم في سورية».
وأوضح دبلوماسي أوروبي «أن قرار اعتبار سورية حليفاً عسكرياً قد اتخذ في موسكو». ولاسيما أن محاربة الإرهاب أضحت أولوية في التحول الذي يشهده عدد من الدول الأوروبية حيال الموقف من سورية وضرورة الحوار مع الرئيس الأسد.
وإذا كان المرجح أثناء لقاء الوزير لافروف مع الوزير الأميركي كيري وقد يدعى لحضوره دي ميستورا على هامش اجتماعات الدورة الحالية للأمم المتحدة، بحث مسار الحل السياسي في سورية وأولوية محاربة الإرهاب بعيداً عن الأوهام والفرضيات والشروط المسبقة والعصف الفكري. فإن دعوة الرئيس بوتين إلى بناء تحالف دولي يضم سورية لمحاربة الإرهاب أولاً على قواعد القانون الدولي لابد أن تشكل محوراً هو الأهم في هذا السياق، كما يعكس محادثات وزير الدفاع الروسي شويغو مع نظيره الأميركي أشتون كارتر بهدف التوصل إلى صيغ جادة بعيداً عن الانتقائية وهزلية احتكار محاربة الإرهاب الملغومة بأجندات فشلت بما فيها اختراع المعارضة السورية المسلحة وما جرى التخطيط لهذا المنتج الهجين من أدوار سقطت ويعاد العمل على تدويرها لفرض حلول من خارج الإرادة الوطنية السورية بحراك مزدوج على كتف الإرهاب قد تكون أجندة دي ميستورا المخفية أحد محاور عمل بوصلته السياسية.
لكنها وفي تحذير واضح من مثل هذه التحركات المشبوهة أكدت الخارجية السورية «أن أي وجود مسلح فوق الأرض السورية أو أي من مجالاتها لأي دولة من دون موافقة الحكومة السورية بذريعة مكافحة الإرهاب هو انتهاك لسيادتها».
وفي حديث متلفز أكد الوزير المعلم.. أن الدخول الروسي القوي في محاربة الإرهاب سيجر خلفه الآخرين ومن بينهم الولايات المتحدة الأميركية. حيث لم يعد للرهانات مكان ولا لمخططات حلف الإرهاب والحرب على سورية فرصة حياة، وفقاً لما تريده أميركا عبر أدواتها التنفيذية كالعثماني السفاح أردوغان وحكام النفط والغاز في المملكة الوهابية ومشيخة قطر وبدعم لوجستي وتسليحي وجماعات إرهابية يؤمنه الكيان الإسرائيلي بالتنسيق مع النظام في الأردن، وقد أعلن الوزير المعلم أن مشاركة روسيا بمكافحة الإرهاب ستقلب الطاولة على من تآمر علينا.
وإذا كانت واشنطن توارب في تصريحات مسؤوليها حالياً بمن فيهم الرئيس أوباما أمام الحركة الروسية النشطة سياسياً وعسكرياً، فلأنها باتت على قناعة بأن الزمن لم يعد مصنوعاً بطريقتها مع ما يشهده الواقع الدولي من متغيرات على حساب قطبية أحادية في طريقها إلى الأفول وصعود واضح الفعل والتأثير لدول التزمت الدفاع عن القانون وحقوق الشعوب مثل روسيا وإيران ودول أخرى بعيدة وقريبة وشكل الصمود السوري روافع سياسية وميدانية مهمة في محاربة الإرهاب ومواجهة التحديات.
لقد بعثت سورية بلسان الرئيس بشار الأسد عبر وسائل إعلام روسية رسالة تؤكد «أنه على كل القوى الاتحاد لمواجهة الإرهاب لأنه الطريق إلى الأهداف السياسية التي نريدها نحن، كسوريين عبر الحوار والعمل السياسي».
وهي رسالة يجب على دي ميستورا قراءتها لتصويب بوصلته السياسية باعتبارها رسالة أغلبية السوريين وجيشهم العربي السوري الباسل المعمدة بالدماء والبطولات من أجل سورية كما يريدها السوريون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن