من دفتر الوطن

إن خليت.. خربت!

| عصام داري

نتسلح بالسكاكين والسيوف، وربما بالمسدسات، أو بأي سلاح آخر لخوض معارك من نوع آخر، فنحن ذاهبون إلى ساحة الحب! هكذا هي أغانينا الدارجة.
تقول أليسا- ويلقبونها بملكة الإحساس-: (ماعاش اللى بدو يزعلك.. بمحيه بلغيه من ها الحياة)! إذا كانت ملكة الإحساس تستطيع أن تمحو شخصاً ما وتلغيه من الحياة، فماذا كانت ستفعل لو لم تكن كذلك؟
على المنوال نفسه تعزف نوال الزغبي فتغني:(اللّي بيفكر يجرحك برتاح منو بقتلو)! بكل بساطة يصبح القتل مباحاً وكأنه للتسلية والتباهي!
أما نجوى كرم فتعبر عن غضبها من حبيبها لأنه رقص مع غيرها في السهرة وأمسك يدها، وتعلن للعالم: (لو تسمحوا بعلق مشنقته بالحي) وهكذا تنصب نفسها القاضي وتقرر إعدامه شنقاً حتى الموت!
ومن الطريف أن أغاني التراث والفلكلور في المشرق العربي، أي في سورية ولبنان على وجه التحديد، تحمل الكثير من العنف، وخاصة ضد المرأة، فتقول الأغنية:(لاتضربني لا تضرب كسرت الخيزرانة، صارلي سنة وست أشهر من ضربتك وجعانة) ما هذا العنف الذي يجعل الفتاة تتوجع من ضرب الخيزرانة سنة ونصف بالتمام والكمال؟
لكن الأغرب كلمات أغنية تدعو فيها الفتاة حبيبها إلى ضربها وتكسير ضلوعها، وتتمنى لكل من «يحسدهما على هذا الحب العنيف» أن يصاب بسكتة قلبية (يا ساتر يا رب) لنتابع مقطعاً من الأغنية: (اغمرني كسرلي ضلوعي، ساوي اللي بدك فيي، اجرحني نزلي دموعي، وحدك بتمون عليي. هيدي الليلة ليلتنا صارت علناً قصتنا، انشا اللـه اللي بدو يحسدنا يصيبو سكتة قلبية)!
ومن الأغاني الطريفة واحدة تغير وظائف أعضاء الجسم على سبيل المثال، هذه الأغنية تقرر بشكل قاطع أن الأعين التي لا تعشق بجنون ليس من حقها أن تكون أعيناً:
(عيون الـما بتعشق بجنون مش من حقها تكون)! جميل هذا الاستنتاج، لكن كاتب الكلمات والذي أداها لم يقترحا وظيفة أخرى للأعين، ربما تصلح لأن تكون بدل فتحتي الأذن، أو الأنف أو أي شيء آخر غير العينين حتى تتعلما أن تعشقا بجنون وتعرفا طبيعة دورهما!
أما في الشقيقة مصر فحدّث ولا حرج، فالأغاني هناك انفلتت من كل المقاييس وربما القيم، وطبعاً لا نقصد كل الأغاني، فمصر تبقى عاصمة الأغنية العربية من أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وكارم محمود وليلى مراد وغيرهم كثير، لكن مع أفول العصر الذهبي، والزمن الجميل، طفت على السطح موجة الأغاني الهابطة للأسف.
الهبوط وصل حداً خطيراً إلى درجة صارت الأغنية الهابطة تتردد على الألسنة ويتابعها الكبار والصغار على حد سواء، وصارت الأغنية العاطفية والرومانسية من آخر المنسيات، فخربت الذائقة الفنية لمعظم الناس وصارت الأغنية الهابطة هي السائدة وخاصة أن عشرات المحطات التلفزيونية المتخصصة بالأغنية تبث الأغاني الهابطة على مدى أربع وعشرين ساعة وهي مثل الطاحونة تحتاج إلى عدد هائل من الأغاني.
مع ذلك لم يخرب كل شيء بعد، فحتى يومنا هذا تسجل أغاني عبد الحليم أكثر المبيعات على المستوى العربي، وإن خليت خربت!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن