ثقافة وفن

لغة البيّاعين المتجولين في الشام

| منير كيال

اعتاد الباعة في مدينة دمشق التدليل أو المناداة على ما يبيعون، بنداءات، فيها الكثير من الطرافة والدلالة مما لا يخطر على بال، ومن ذلك الخضر والفواكه والحاجات المنزلية الأخرى. وكانت تلك النداءات غريبة على غير أبناء مدينة دمشق، حتى إن منهم من لا يكاد يعرف ما ينادى عليه، وخاصة من كان حديث الإقامة بهذه المدينة، حتى لكأن الواحد منهم يحتاج إلى من يترجم أو يفسر المقصود من هذا النداء أو ذاك.

وكان لكل من أولئك الباعة نغمة خاصة بندائه يترنم بها. وبالتالي كان لكل نوع مما يبيعون، أو يدللون عليه، صيغة خاصة يعرفها أهل دمشق، أما من غير أبناء دمشق القاطنين بهذه المدينة، أو حديثي الإقامة بها فلا يكاد الواحد منهم يعرف ما يُنادى عليه، حتى إن هذا النداء أو ذاك، على ما يبيع البائع بلغة تحتاج إلى ترجمان على ما كان النداء من تعابير عذبة وجمل بسيطة، تنطلق على لسان البائع للتدليل على ما يبيع، وذلك وفق جرس موسيقي محبب إلى النفوس، يجعل المرء يقبل على الشراء. فضلاً عن ذلك، فقد كان من الباعة من يعمد بندائه إلى الغمز واللمز ببضاعة من يجاوره من الباعة الآخرين، وقد يكون هذا الغمز واللمز بحق أحد المارة إذا كان بينه وبين البائع خصومة، كأن ينادي البائع على مادة الطرخون بقوله:
ابن الزنا… خاين.. الله يبعث لي أولاد الحلال. أو قد ينادي على البندورة بقوله: أحمر من هيك ما عاد يصير.. للكواج يا بندورة، كما قد ينادي على الجانرك إذا مرت أمامه فتاة صبية بقوله: لا تدور عليها.. الحلوة ليكها.. يا مال الربوة. ومن جهة أخرى، فإن أغلب ما ينادي عليه الباعة، يكون من الخضر والفواكه، وهذا النداء مستوحى من طعم ما ينادى عليه، أو مكان زراعته. فهم ينسبون العنب الأحمر إلى بلدة دوما، والعنب الحلواني إلى داريا، والجزر إلى القابون، والبصل إلى الحتيتة، والسفرجل إلى الأشرفية، والتين إلى مضايا، أو يبرود كما ينسبون الفاصولياء الخضراء إلى بلودان.. وذلك لشهرة هذه المناطق بزراعة هذه المحاصيل قبل انتقال زرعها إلى مناطق أخرى.
وقد يعتمد النداء على صفة المنادى عليه أو طعمه وشكله فضلاً عن مكان زراعته فهم ينادون على البامياء على سبيل المثال بقولهم خضرا ها البامية، زرادة هالبامية على مال إستانبول (إصطمبول) هالبامية.
وينادون على المشمش بقولهم: ورد وما ورد، هذا خمير يا بلدي.
كما ينادون على الكمأة أيضاً بقولهم: سمرة يا بنت العربان، يا سمرة أبوكي راعي الحصان يا سمرة، وينادون على الكوسا بقولهم: هية موز يا كوسا.
ويحضرني بهذا المجال، أرجوزة كان يرددها الباعة نذكر منها:
اسمعوا يا ناس لغة البياعين
بالشام وهم دايرين
لغة بدها ترجمان ونحن عنا مترجمين
نادو أسود يا ريان وقعة سودا وغرقانة
وقعة وقعناها بالجورة حمرا وريانة البندورة
هاتوا طبل وزامورة لنسمع النايمين
لنسمّع مين يسمع هذا طري هالنعنع
وأغصانه عم تتضعضع ومن الإفلاس يا رب تعين
كوّمناهم كوم وكوم هذا بلدي يا توم
وبالطبع تستمر الأرجوزة حتى تأتي على جل ما ينادى عليه. سقى الله أيام زمان، يوم كان الناس على نحو من التعايش، بل التعامل، ولم تأخذهم معطيات الحياة المعاصرة التي نعيشها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن