ثقافة وفن

إدمان العادة

د. اسكندر لوقا :

أحياناً يحمّل أحدنا مسألة من المسائل التي تشغل باله أكثر مما تحتمل، وبمعنى ما، حتى درجة الإفراط في الدفاع عنها أو ضدها، وأحياناً أيضاً إلى زمن غير محدود في بعض الحالات.
إن الإفراط بهذا المعنى المرّضي إن صح التعبير، غالبا لا تنحصر آثاره في مجال واحد، إذ قد تمتد إلى مجالات أخرى متعددة، ومع تبنيه كسلوك قد يصبح عادة لدى صاحبه كما عادة الإدمان على احتساء الخمر، أو السهر حتى وقت متأخر من الليل، أو تتبع المسلسلات والأفلام وسوى ذلك من عادات تتحكم بسلوك المرء أحياناً ولا يقيم حسابا لتبعاتها على نفسيته، وبمعنى ما تبقى ظاهرة الإفراط لدى الإنسان، من مكونات التحكم بسلوكه حتى يقع فريسة شباكها المعقدة، على غرار وقوع حشرة في شباك العنكبوت بانتظار مصيرها المحتوم.
هذه المعادلة، قد تكون واقعية وموضوعية عند البعض من الناس وقد لا تكون عند بعضهم الآخر على هذا النحو، مع ذلك حين نتتبع سلوك البعض من قادة الدول في الوقت الراهن وتصريحاتهم- على سبيل المثال- حول ما يجب أو لا يجب أن تفعله سورية حتى يرضى عنه هذا المتلبس ثوب التنبؤ بالمستقبل، أو هذه الدولة من الدول التي تؤرقها سورية في النهار والليل من دون طائل، حين يتتبع أحدنا أحد هؤلاء أو إحدى تلك الدول، لا بد أن يتصور مدى الخداع الذي يمارسونه ضد أنفسهم كما ضد بلدانهم، وهم لا يدرون مقدار إفراطهم في إقناع أنفسهم بأنهم على صواب وبأن المستقبل رهن إرادتهم.
مثال هذا الإفراط في الزمن الراهن هو ما يجسده الرئيس الفرنسي الحالي هولاند ورئيس تركيا الحالي أردوغان، كأن وحيا ينزل عليهما وعلى أمثالهما ويسيرهما حسب ما يشتهيان، وهما، عمليا، على حافة جني الفشل فيما أراداه ويريدانه وصولا إلى جعل عجلات التاريخ تعود إلى الوراء، إلى أيام الاستعمار الفرنسي أو العثماني، وبمعنى ما إلى أيام الحلم الذي يخدعهما وهما حتى في حالة اليقظة التي لا تساعدهما على رؤية ما جنياه من خزي وعار حتى اليوم.
في رأي العالم والمفكر اليوناني البارز فيثاغورث «570 ق.م- 495 ق.م»: أن تخدع نفسك لا يعني أنك تخدع سواك. لا يوجد شيء في الحياة اسمه خداع تحت غطاء.
ترى إلى متى يحاول هذان الرجلان وأمثالهما أن يتواروا وراء خداع أنفسهم إلى مدى غير محدود؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن