ثقافة وفن

إعادة إعمار قانون الإعلام … حصانة الصحفي مطلب في قانون الإعلام

رشاد أنور كامل :

في الجلسة الأولى للفريق الذي شكل على عجل من أجل صياغة قانون إعلام، وجدت اللجنة نفسها أمام حدث استثنائي، صناعة قانون إعلام بالسرعة الكلية، أي عملياً صناعة قانون إعلام من أجل الحصول على قانون إعلام، وفي تلك الجلسة الوحيدة التي حضرتها، ضيفاً على المجموعة موفداً من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتقديم كل الدعم اللوجستي للجنة، افتتحت حديثي معهم بأن قانون الإعلام يتألف من أربعة قوانين لا واحد، والتسلسل المنطقي له هو في إيجاد قانون حماية الخصوصية، قانون البيانات الحكومية المتاحة، وقانون حق الوصول للمعلومات، وأخيراً قانون تنظيم مهنة الإعلام.
ذكرتني وجوه أعضاء اللجنة التي تنظر إليّ باستغراب بوجه أحد معاوني وزارء الإعلام عندما كنا مجتمعين في العام 2009 في مكتبه وقال لنا (من اجتمع من رؤساء تحرير صحف رسمية وخاصة وخبراء) أمامنا أسبوع ويجب أن نرفع قانون الإعلام. وعندها سألته الأسئلة التي جعلتنا نعمل سنتين بعدها من دون نتائج كبيرة، ومحور الأسئلة كانت: «ما أهدافنا في تطوير قانون الإعلام؟، ما المزعج أساساً لكم كحكومة من قانون المطبوعات السابق؟ وهل تريد أن نطور قانون المطبوعات ليستجيب لتسع سنوات من العمل للمطبوعات الخاصة والاذاعات؟، هل تريدون تطوير قانون الإعلام لتطوير المؤسسات الإعلامية أم لدعم الإعلاميين؟ لكون قوانيننا في سورية غالباً ينتجها أفراد يعتبرون فكرة دعم المؤسسات هي خيانة للأفراد؟
أسئلة لم يكن لها أجوبة آنذاك… ولا أظن عند وضعنا قانون الإعلام الجديد… ولا الآن…
المهم، وعودة إلى اجتماعنا مع لجنة وضع قانون الإعلام تابعت حديثي معهم رغم وجوههم غير المسرورة من بداية حديثي: «نستطيع عبر برنامج الأمم المتحدة أن نزودكم بأي من الخبرات العالمية التي عملت على قوانين مماثلة معتمدة في مجال حق الوصول للمعلومات والمعلومات الحكومية المتاحة وحماية الخصوصية، وقوانين تنظيم مهنة الإعلاميين ووسائل الإعلام، وخاصة أنها قوانين مستقبلية يتداخل فيها التشريع مع التقانات الحديثة، هؤلاء الخبراء سيساعدونكم في مناغمة عملكم مع المعايير العالمية في هذا الموضوع وتستفيدون من تجارب الآخرين الناجحة» وانتهى حديثي هنا…
ليلتفت إلي أحد الأصدقاء من اللجنة وبثقة غريبة أجابني: نحن عالميون.. لا نحتاج إلى أي خبراء…. وضحك الجميع… فقد أجاب وأوجز عنهم جميعاً….. ومن هنا ولد قانون للإعلام مع فكرة إضافية أنه يضاهي في عالميته كل قوانين الإعلام العربية والكثير من الأجنبية…. وبخبرات محلية فقط لا غير….
هذا لا يعني أن القانون الذي خرج لا يصلح، هو مقبول، ولكنه هش، هش إلى درجة أنه انتهى مفعوله خلال أشهر من ولادته بقرار من رئيس مجلس الوزراء وجه فيه وزارءه بعدم منح الإعلام أي معلومة من الممكن أن يتم استغلالها من قبل الجهات المعادية.
عندما لا يصمد قانون إعلام أمام قرار رئيس وزراء، فبالتأكيد أنه لن يصمد أمام أزمة بحجم الأزمة السورية.

فما الذي حدث فعلاً؟
ما حدث أننا بنينا على أرضية رخوة فانهار البناء أمام الهزة الأولى، لذلك ما هو مطلوب الآن رغم كل الظروف الصعبة هو التحضير للمستقبل، وإعادة إعمار الإعلام السوري على أعمدته الأربعة وهي قانون حماية الخصوصية، قانون البيانات الحكومية المتاحة، وقانون حق الوصول للمعلومات، وأخيراً قانون تنظيم مهنة الإعلام.
أعرف أن معظمكم يبتسم الآن وخاصة في هذه الظروف، يبدو ما أتكلم عنه يعتبر ترفاً فكرياً خارج إطار الأولويات إن يكن ما بعد الأولويات، ولا ألومكم، ولذلك أكتب عن الموضوع، لأني أعرف حقيقةً أن هذه القوانين هي بنية تحتية لأي إعادة إعمار قادمة، وتجاوز البنى التحتية في أي مجال، هو عمل من تصنيف «هباء منثوراً» والواقع أنه لم نعد نملك الوقت ولا الموارد لنتحمل عالمية بعض السوريين ممن يرفضون العمل وفق المعايير العالمية وأفضل الممارسات الناجحة… ليس في هذا المجال فقط… بل في كل المجالات.

أين نبدأ؟
نبدأ من قانون حماية الخصوصية. لماذا؟
إن الأخطاء التي ارتكبت عالميا وعربيا في بناء قانون للإعلام هي عدم تعريف الكثير من البديهيات التي تتعلق بنوع المعلومات التي يستطيع الإعلامي التطرق إليها وأي نوع من المعلومات التي لا يستطيع والتي تندرج ضمن قوانين قديمة مثل القدح والذم والتشهير وغيرها.
حيث كان الإعلامي حتى ضمن مظلة حماية قانون الإعلام ضعيفاً أمام القوانين الأخرى التي تستطيع جره إلى المحاكم والمساءلة طويلاً وقد يخسر أمامها أيضاً.
والخطأ الأكبر الذي مورس على الأقل عربياً في العقدين الماضيين، هو محاولة إعطاء الصحفي حقه في الوصول إلى المعلومات وتداولها ونشرها بحرية أوسع مما يعطى للمواطن العادي، ومحاولة حمايته نظراً لطبيعة المهنة متناسين بذلك أن تطور وسائل النشر الإلكتروني والشبكات الاجتماعية يجعل من أي مواطن سواء كان ناشراً أم صاحب رأي، وأحياناً يكون أكثر تأثيراً من مؤسسة إعلامية كاملة، ومع ذلك فالقوانين لم تستجب لتأطير (انفلاش) الحالة الإعلامية وانتقالها إلى مرحلة أكثر تقدماً وهي التواصل… متجاوزة الإعلام بمراحل زمنية، إن لم تطوِها فعلاً.
إن تعديل القوانين يجب أن ينبع من مصدرين الأول هو الدستور والثاني هو الإستراتيجيات الوطنية، ومع انعدام وجود إستراتيجية وطنية للإعلام في سورية كان لزاماً على اللجنة أن تعود أولا إلى الدستور لتكتشف أنها تحتاج إلى منظومة قوانين وليس إلى قانون واحد. ففي الدستور السوري وفي مادته السادسة والثلاثين ورد موضوع حماية خصوصية الأفراد بالنص «1- للحياة الخاصة حرمة يحميها القانون». وفي مادته السابعة والثلاثين، ورد موضوع حماية الخصوصية في موضوع تبادل البيانات على مستوى الأفراد والمؤسسات بالنص «سرية المراسلات البريدية والاتصالات السلكية واللاسلكية وغيرها مكفولة وفق القانون». وفي مادته الثانية والأربعين ورد ذكر التعبير عن الرأي والتواصل في النص «2- لكل مواطن الحق في أن يعرب عن رأيه بحرية وعلنية بالقول أو الكتابة أو بوسائل التعبير كافة». وأخيراً ورد في المادة الثالثة والأربعين حول الإعلام في النص «تكفل الدولة حرية الصحافة والطباعة والنشر ووسائل الإعلام واستقلاليتها وفقاً للقانون».
إن المتابع لتسلسل الدستور يكتشف أن واضع الدستور كان يعلم مسبقاً أن الترتيب الواقعي لبناء منظومة متكاملة ينتج عنه قانون تنظيمي لمنهة الإعلام، وفي الواقع في دراسة الجمل نفسها نكتشف أن الدستور أكد:
• حرمة الحياة الخاصة.
• كفالة سرية المعلومات.
-الحق في أن يعبر المواطن عن رأيه.
• تكفل الدولة حرية الصحافة.
ومن الواضح الحرمة والحق هما ملكية المواطن والكفالة هي واجب الدولة ومن هنا كان لابد من الانطلاق في بناء منظومة القوانين المطلوبة، من الحرمة ومن ثم الحق وصولاً إلى الكفالة والتي هي حالة تنظيمية، واعتبار أن قانون حماية الخصوصية كان مطلباً له الأسبقية لأنه سيوضح الحدود الأساسية ليس فقط للإعلاميين بل أيضاً لكل مكونات الدولة التنفيذية والفعاليات الاقتصادية التي تتعامل أو تتعاطى مع بيانات المواطنين (المصارف، المشافي، شركات الخليوي، الجامعات الخاصة… الخ)، ورسم الأطر الفاصلة بين ما يحق للآخرين الاطلاع عليه وبالتأكيد نشره أو إعادة نشره أو بيعه أو الاستفادة من دون أذن، أو ذاك الذي يحتاج إلى أذن من أصحاب المعلومة وهم في هذه الحالة المواطنون أنفسهم، مع الانتباه إلى تعديل قوانين القدح والذم والتشهير بناءً على القوانين الجديدة والتقانات الجديدة أيضاً.
فما الذي يتضمنه قانون حماية الخصوصية المثالي:
• خصوصية المعلومات.
• الخصوصية الجسدية أو المادية.
• خصوصية الاتصالات.
تعرضت الخصوصية إلى الكثير من التحديات مع ظهور التقانات الحديثة التي أصبحت فيها حماية الأفراد من انتهاك خصوصيتهم حتى من الهواة وكذلك بيع معلوماتهم وأنماط حياتهم الحقيقية والافتراضية والتي مارسوها أثناء تصفحهم للمواقع والبحث الذي أجروه في محركات البحث العالمية ومواقع التواصل الاجتماعي من استخدامهم لهواتفهم الذكية والرسائل النصية واستخدامهم لبطاقاتهم الائتمانية التي عملياً تشكل فيما يدعى اليوم ملفهم الرقمي.
وتتزايد مخاطر التقنيات الحديثة على حماية الخصوصية، كتقنيات رقابة (كاميرات) الفيديو، وبطاقات الهوية والتعريف الالكترونية، وقواعد البيانات الشخصية، ووسائل اعتراض أو رقابة البريد والاتصالات، ورقابة بيئة العمل وغيرها.
وظهر مع كل تلك الوسائل التي تراقب وتحلل الأفراد، والرغبة في قوننة حماية الخصوصية، ما أدى إلى تناقضات تشريعية وعملياتية أهمها:
• التناقض بين حق الحياة الخاصة وحق الدولة في الاطلاع على شؤون الأفراد.
• التناقض بين الحياة الخاصة، والحق في جمع المعلومات لغايات البحث العلمي، أو حرية البحث العلمي والتسويق التجاري.
• التناقض بين الحق في الحياة الخاصة وحرية الصحافة وتبادل المعلومات (الحرية الإعلامية).
والبحث في هذا المجال مهم جداً، واختصاصي جداً، وبالعودة إلى المشّرع السوري والدستور وقانون الإعلام نشهد بأن حماية الخصوصية قد ورد عملياً في قانونين الأول «قانون تنظيم التواصل على الشبكة ومكافحة الجريمة المعلوماتية» والذي عرّف الخصوصية على الشكل التالي: «الخصوصية هي: حق الفرد في حماية أسراره الشخصية والملاصقة للشخصية والعائلية ومراسلاته وسمعته وحرمة منزله وملكيته الخاصة وفي عدم اختراقها أو كشفها دون موافقته».
والثاني في قانون الإعلام (المرسوم التشريعي رقم 108 للعام 2011)
حيث تم تعريف الخصوصية على أنها: «حق الفرد في حماية أسراره الشخصية والعائلية ومراسلاته وسمعته وحرمة منزله وملكيته الخاصة وفي عدم اختراقها أو كشفها دون موافقته».
أي عملياً هناك تتطابق مع نقص كلمتين «والملاصقة للشخصية» بين القانونين…
مع الانتباه إلى البند التالي في المادة رقم 4 في البند رقم 4 منه من قانون الإعلام: والتي تحتّم على الصحفي والوسائل الإعلامية «احترام خصوصية الأفراد وكرامتهم وحقوقهم والامتناع عن انتهاكها بأي شكل من الأشكال».
وفي قانون العقوبات السوري العام فإن المواد التي تعدّ مخصصة لحماية الخصوصية للأفراد والمؤسسات تندرج تحت المواد التالية:
المواد المتعلقة بالتحقير وهي المواد: 373-374.
المواد المتعلقة بالذم وهي المواد: 375- 376- 377.
المواد المتعلقة بالقدح وهي المواد: 378.
ومن قراءة تعريف الذم والقدح فهما: الذم هو نسبة أمر إلى شخص ولو في معرض الشك أو الاستفهام، ينال من شرفه أو كرامته.
أما القدح كل لفظة ازدراء أو سباب أو تعبير أو رسم مما يشفّ عن التحقير يعد قدحاً، وأيضاً القدح هو اعتداء على اعتبار وكرامة وشرف الشخص من دون إسناد فعل أو واقعة معينة له.
والتفاصيل فيها كثيرة لدرجة أنها من الممكن أن تسجن أي صحفي أو على الأقل (ستجرجره) حتماً إلى المحاكم.
لذلك كان من المهم تحديد ما تعنيه الخصوصية والحق في الخصوصية وما يعنيه حق الوصول إلى المعلومات وهي محطتنا التالية.

حق الوصول إلى المعلومات
عادة ما يذكر في كل الدساتير مفهوم «حق الوصول للمعلومات» وغالباً ما يترك من دون قوننة أو تعريف أو تأطير ليبقى حقاً دستورياً من دون آليات تنفيذ، يستخدم للاستعراضات الديمقراطية للدول دون التزام، لأن الممانعة الحكومية وحتى للقطاعات الاقتصادية أو الأهلية كبيرة جداً فيما يخصّ إتاحة معلوماتهم، فإتاحة المعلومات هي شفافية والشفافية تعني تحمل المسؤولية، لذلك كان شح المعلومات أسهل من منحها، ولذلك دمغت معظم المعلومات بالسرية، فالسرية أداة غالباً ما تستخدم في طي الأخطاء.
ومع ذلك فحق الوصول إلى المعلومات لا يتعلق فقط بالرقابة الشعبية والإعلامية على أداء كل من يعمل في العمل العام حكومي، أهلي أم خاص، بل يتعداها إلى اعتبار المعلومات بحد ذاتها بنى تحتية، ويجب أن تعامل بالأسس ذاتها التي تعامل فيها البنى التحتية لأي دولة ومجتمع، ولذلك أتت قوننة حرية المعلومات أو حق الوصول للمعلومات خطوة في تطوير العلاقة بين المعلومات والتنمية، والمعلومات والشفافية، والمعلومات وتحمل المسؤولية.
ما الذي اعتمد عالمياً في مجال حق الوصول للمعلومات:
إن أهم المفاهيم في هذا المضمار هو «الإفصاح الكامل» حيث ينبغي أن يكون الإفصاح عن المعلومات هو القاعدة والعرف المتبع، وينبغي أن يكون بإمكان أي شخص طلب المعلومات وألا يتم تطبيق القيود على تقديم المعلومات إلا في حالات محدودة جداً، والعمل الفعلي على تشجيع الحكومة والقطاعات العمومية على اعتماد الشفافية، وتحدي الممارسات والسلوكيات التي تحمي ثقافة السرية المتجذرة، فيكون الإفصاح الكامل هو المعيار «المسطرة» التي نقيس فيها شفافية كل مؤسساتنا ونرتبها من الأعلى في الشفافية إلى الأدنى، ونضعها أمام مسؤولياتها في تفسير عدم رغبتها في الإفصاح، وعوضاً أن يكون طلب المعلومات منةً، يصبح إخفاؤها في هذه الحالة قيد المساءلة والفرق كبير.
مع العلم أن الحجج التي من الممكن الاختباء خلفها مثل التعارض بين حق الوصول للمعلومات والأمن القومي وحق الوصول للمعلومات والقطاع المالي، وحق الوصول للمعلومات والقطاع الصحي قد عولجت عالمياً، وهناك الكثير من الوثائق العالمية التي وصفت تلك الحالات ونظّمتها، والتي من الممكن في اعتمادها توفيرأعوام من إيقاف عملية التحول باتجاه الشفافية وإتاحة المعلومات الحكومية.
لم يغب عن اللجنة الواضعة لقانون الإعلام السوري (المرسوم التشريعي رقم 108 للعام 2011) هذا الموضوع وأهميته، لكنهم اختصروه إلى مادتين رقم 3 و9 ففي المادة رقم 3 ذكر أنه تستند ممارسة العمل الإعلامي إلى القواعد الأساسية الآتية:
2- حق المواطن في الحصول على المعلومات المتعلقة بالشأن العام.
وبوضوح أكبر تم ذكر حق الإعلامي في البحث عن المعلومات والحصول عليها في المادة 9:
والتي ذكر فيها أنه للإعلامي الحق في البحث عن المعلومات أياً كان نوعها والحصول عليها من أي جهة كانت وله الحق في نشر ما يحصل عليه من معلومات بعد أن يقوم بالتحقق من دقتها وصحتها ووثوقية مصدرها بأفضل ما يستطيع.
ب- للإعلامي في معرض تأدية عمله الحق في حضور المؤتمرات والجلسات والاجتماعات العامة المفتوحة ونشر وقائعها.
و- يصدر بقرار من مجلس الوزراء تحديد أنواع المعلومات التي يحق للجهات العامة عدم الكشف عنها.
والمادة الأخيرة برأيي فعلياً قد ألغت مفعول حق الوصول للمعلومات وجعلته منةً حكوميةً غير مقنونة وتخضع لمزاج مجلس الوزراء… وهذا ما حصل فعلاً…
إذ تم اختصار قانون كامل في ثلاث جمل، آخرها تقضي على ما قبلها، اختصار ضعضع أحد أسس العمل الإعلامي وهو الحق في الوصول إلى المعلومات.
إنه نقص لا أظنه مقصوداً ولكنه كان خارج اختصاص اللجنة بكل بساطة.
إنه اختصاص، ويحتاج إلى اختصاصيين، محليين وعالميين حتى لا (يزعل) منا أحد.
إن إصدار قانون يوضح حق الوصول للمعلومات وحماية الخصوصية لا يعني أننا أتحناها فعلاً، إلا إذا صدر قانون كافل وهو قانون البيانات الحكومية المتاحة والتعليمات التنفيذية حول تصنيف الوثائق الحكومية.
فالدستور واضح، والدولة يجب أن تكفل ذلك، والكفالة في تشريع إتاحة المعلومات، وفرضها كجزء من مهام الحكومة ومؤسساتها المختلفة وكل القطاعات المتعلقة بالعمل العام، لأن إتاحة المعلومات وإلى اليوم هي غير مقوننة وقد تؤدي إتاحة بعض المعلومات إلى تجريم الموظف لكونه لا يوجد قانون فعلي يحميه.
وكفالة الدولة لا تتم بقرارات قابلة لمئات التفاسير أو السحب من أي جهةٍ، إنما تتم بصياغة قوانين تحاسب في حال عدم التنفيذ، والفرق كبير.
نصل أخيراً إلى قانون تنظيم مهنة الإعلام والتواصل بأنواعه
في اجتماع منذ أسبوع مضى لمجموعة من الخبراء السوريين، تم طرح موضوع تطوير قانون الإعلام كبندٍ مهم، فاعترضت وقلت لهم هناك قوانين تسبقه ولا يوجد شيء اسمه قانون إعلام، ففوجئوا باعتراضي إلى درجة أن أحدهم قال لي ساخراً: هل اصطففت في صف من يكره الإعلاميين الآن؟
فأجبته يا صديق، أنا اصطففت مع حق المواطن السوري في الحصول على المعلومات، والصحفي مواطن سوري على ما أعتقد… وتابعت بعدما رأيتهم اهتموا بالموضوع: إنما أنا ضد أن يمنح الصحفي حقاً استثنائياً في الوصول إلى المعلومات وكأنه مواطن درجة أولى وأعلى من المواطن غير الصحفي، وهذا مخالف للدستور. فالصحفي والباحث والإحصائي والمحلل الاقتصادي، خبراء التسويق وغيرهم وصولاً إلى المواطن المهتم بالمعلومات العامة لهم الحق الدستوري والذي يجب أن تكفله القوانين في الوصول إلى المعلومات ولا فرق بينهم في موضوع آليات استخدام هذه المعلومات والتي أيضاً تكفلها قوانين أخرى.
أما الإعلامي فهو يحتاج إلى ما يتجاوز الحق في الوصول للمعلومات إلى حقه في ممارسة مهنته في إيصال النتائج والتحقيقات والرأي لمتابعيه والتي قد تنطوي على مواجهات كثيرة، وهو يحتاج إلى حماية مؤسساته ونقاباته وبلده له وهذه الحماية يجب أن تكون مقوننة.
وتابعت، ما نريده هو تنظيم لمهنة الإعلام والمؤسسات الإعلامية ومنح الإعلامي الحصانة من المقاضاة نظراً لطبيعة عمله كما هو معمول مثلاً في تنظيم مهنة المحامين في سورية.
التفتّ إلى من كان معنا من محامين، وسألتهم ألستم راضين عن الحمايات التي وفرها لكم قانونكم؟ أجابوني نعم.
بكل بساطة نريد مثله للإعلاميين والمؤسسات الإعلامية.
شعرت بصمت الجميع، وعلمت أنهم لم يوافقوا، فمثلما لا تريد الجهات العامة الإفصاح عن بياناتها، لا أظن أنه من السهولة بمكان لأي كان منح الإعلام والإعلاميين الحصانة.
الإعلامي مواطن، وحقه في الوصول إلى المعلومات واستعمالها مثله مثل أي مواطن، ولكن طبيعة عمله هي ما يجب أن نتعامل معها في حمايته القانونية، وهذا ما لم نمنحه مثلاً للمواطنين الناشرين للمعلومات على وسائل مختلفة لكونهم لا يخضعون لنفس معايير المهنة الإعلامية، فهم يخضعون للقوانين الأساسية الناظمة لحق الخصوصية للآخرين.
هذا ما قلناه سابقا وهذا ما نريد للإعلاميين اليوم.
تنظيم مهنتهم، وعدم إقحام أجزاء من قوانين في قانون واحد ما يجعله كثيراً وقليلاً بآن واحد، كثير في عدد ما يتناوله من قضايا وقليل في تقديم تنظيمٍ حقيقيٍ ودعمٍ للإعلاميين.

أخيراً
في عام 2008 وقفنا في مكتب وزير الإعلام مختلفين على صياغة قانون المطبوعات، وسألنا الوزير ما القصة، لماذا أصواتكم وصلت خارج غرفة الاجتماع وهي ملاصقة لمكتبه، أجابه أحد معاونيه ممن كان يعمل على ضبط المجموعة المجتمعة والمختلفة بالآراء، الشباب معظمهم اتفق ما عدا مثل العادة وأشار إلينا أي جماعة الصحافة السورية الخاصة، ابتسم وزيرنا وسألني (وكان هناك مناخ ديمقراطي إصلاحي سائد في تلك الفترة) شو بدكم؟ أجبته:
الخلاف يا سيدي على العنوان الصحفي الذي سيطرح فيه خبر إنجازنا لقانون المطبوعات الجديد، لاشك أن هذا الجواب جعل الجميع يبتسم.
وتابعت: هم عنوانهم على صفحات الصحف الأولى:
قانون مطبوعات يلغي حبس الإعلاميين ويستبدله بغرامات تصل لمليون ليرة.
وعنواننا نحن:
الحصانة للإعلامي أسوة بالمحامي في سورية.
وللأمانة قال لنا: عنوانكم أحلى… ( درسولنا ياها )….
وكلمة ادرسوها امتدت للعام 2009 وبعدها للعام 2011، والواقع أنها إلى اليوم لم تدرس فعلاً فهي نائمة في دروج من يريد اختراع الدولاب السوري مجدداً، وحتى ولو خرج قانون جديد اليوم، يمنح الإعلاميين ما يرغبون من حمايات قانونية، فسينهار، لأن أعمدته الرافعة والمؤسسة له غير متوافرة، فالسقف لا يبنى قبل الأساس..
والأساسات هي في إيجاد قانون حماية الخصوصية وقانون البيانات الحكومية المتاحة وقانون حق الوصول للمعلومات وصولاً إلى قانون تنظيم مهنة الإعلام والتواصل والبث الرقمي عمل كثير ووقت نفد منذ سنوات.
من قال: إن إعادة الإعمار سهل، ولكنه سيكون أسهل مع خطط وخط واضح.
فسورية تستحق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن