ثقافة وفن

قصر العظم.. ثمانمئة عام وثلاث سنوات من الحياة

| أنس تللو

بيتٌ يخال الداخل إليه أنه يدخل إلى جنة من جنان الأرض، وما ذاكَ لزخرفة على جدرانه وإنها لعامرة بهذا، وما هو لاتساع في مساحته وقد وصلت إلى 6400 متر مربع، ولا هو لبحراته المتدفقة وباحاته الواسعة وإنها لكذلك.
بحراتٌ وباحاتٌ وساحاتٌ تخلب الألباب.
بيتٌ يحمل في طياته سراً عجيباً يأسر الروح ويستحوذ على الفؤاد.
وإنما لسرِّ يحتويه لا تجده لدى أي بيت تراثي في العالم.
نحن لا نعشق الجدران ولا نتغنى بالفرنكة والقاعة والإيوان إلا لأنها تذكِّرنا بمن مضى من الإنسان.
نحن لا نتوقف أمام البحرة إلا لأنها تذكرنا بأصوات قرع القباقيب، وأصوات ضحكات النساء، وتراشق الأولاد بماء البركة.
وإن الداخل إلى قصر العظم يرى ما يرى فيه من جوانب الحياة القديمة الصاخبة، ويشعر وكأن الأرواح مازالت تخفق في جنباته، وما ذاك إلا لأن قصر العظم قد غدا متحفاً حقيقياً لكل مشارب الحياة التي كانت في تاريخ تأسيسه، فقد حفل هذا البيت الكبير بأطراف الحياة تتثنى في غرفه.
تم تشييد قصر العظم في القرن الثامن عشر الميلادي، في عهد أسعد باشا العظم، ويقع في النهاية الشمالية لسوق البزورية بدمشق القديمة، وعلى شماله يقع الجامع الأموي الكبير، ويعد القصر نمطاً للفن المعماري العربي الإسلامي المتطور، فتخطيطه ونمط بنائه وزخارفة في الحجر والرخام والخشب والمعدن تمثل صورة عن مباني دمشق في العهد العثماني.
ويعتبر من أهم وأجمل القصور والمباني التاريخية الضخمة الموجودة في مدينة دمشق القديمة، وهو أحد أفضل أنماط العمارة المبكرة للبيوت الدمشقية الكبيرة القديم بحجارته الملونة وأقسامه العديدة وحدائقه الداخلية ونوافير الماء وقاعاته الدمشقية المميزة الرائعة، فضلاً عن ذلك فإن قصر العظم هو من أهم مقاصد السياح في مدينة دمشق القديمة.
ويذكر التاريخ أن ثمانمئة عامل من أمهر صناع دمشق قد عملوا في إنشائه لمدة ثلاث سنوات.
في العام 1953م تم افتتاحه كمتحف للتقاليد الشعبية والصناعات اليدوية، وتم تحويل غرفه الكبيرة إلى قاعات تحوي تماثيل تضج بالحياة حتى ليحس الناظر إليها أنها تعيد إليه تلك الروح القديمة.
وتم تجهيز قاعات عديدة في قصر العظم تعرض الكثير من العادات والتقاليد وتمثل الفلكلور السوري.
من أهم قاعاته

قاعة الكتابة والتدريس: وتحوي تماثيل تضج بالحياة لطلاب جالسين على الأرض ويدرسهم المدرس ألف فتحة (آه) ألف ضمة (أو).
قاعة الاستقبال: وفيها محمل الحج لاستقبال الحجاج.
قاعة الآلات الموسيقية الشرقية: وتحوي أنواعاً من الآلات الشرفية الموسيقية.
قاعة الصدف: وفيها أنواع خشبية مصدفة بعناية فائقة.
قاعة الحمام: وهو نموذج مصغر عن حمامات السوق العامة مؤلف من ثلاثة أقسام براني وهو المشلح، والجواني وهو مكان الاستحمام، والوسطاني منطقة متوسطة الحرارة.
القاعة الكبرى: وهي قاعة استقبال الباشا.
وهناك قاعة العروس، قاعة الحماية، قاعة الملك فيصل، قاعة الحج، قاعة المقهى الشعبي، قاعة السلاح، قاعة الجلديات، قاعة النسيج، قاعة النحاس.
وللقصر بوابة ضخمة وضمنها باب صغير يسمى بباب خوخة.
إن الدخول إلى قصر العظم أمر ممتع للغاية، إذ فيه نكهة الروح الدمشقية القديمة التي كانت تهفو لها القلوب، وإن التجوال في أرجائه يمنحنا حياة فوق الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن