قضايا وآراء

فصل تشريعي لاهب

| أحمد ضيف الله

واجهت حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي خلال شهر آب الماضي موجة من الانتقادات غير المسبوقة، من قبل المرجعية الدينية الشيعية في النجف، ومن الكتل السياسية الحليفة والمعارضة لها في المجلس النيابي، على خلفية إخفاق حكومة عبد المهدي في الإيفاء ببرنامجها الانتخابي، والتقصير في أدائها واجباتها، وعجزها عن تحسين الأوضاع المعاشية للعراقيين، إضافة إلى إقدامها على تعيين مفتشين عموميين جدد، بدا وكأنه تحدٍ للمجلس النيابي الذي سبق أن صوت في الـ9 من آذار المنصرم، وبالقراءة الأولى على مشروع قانون ألغى بموجبه مكاتب المفتشين العموميين، باعتبارها نموذجاً للمحاصصة الطائفية والحزبية، وتبديد للمال العام.
الانتقادات الموجهة لحكومة عبد المهدي تصاعدت حدتها بعد المؤتمر الصحفي الذي عقدته لجنة مراقبة تنفيذ البرنامج الحكومي في الـ8 من آب الفائت، مقيمة التقرير نصف السنوي الأول الذي كان مجلس الوزراء قد أصدره، مؤكدة أن نسبة الإنجاز «برأي اللجنة هو 36.5 بالمئة وليس 79.29 بالمئة» كما ورد في تقرير الحكومة، وأن «نسب إنجاز أغلب المشاريع بلغت صفراً في المئة»، كما أن «معظم فقرات البرنامج الحكومي كانت تكراراً للبرامج الحكومية والإستراتيجيات التنموية السابقة ومشتقة منها»، معتبرة بالمجمل أن «تقرير المتابعة النصف سنوي مخيب للآمال». وكان لتساؤلات المرجعية الدينية الشيعية في الـ9 من آب الماضي عن واقع حال العراقيين، وقع كبيراً على القوى السياسية، التي ركبت موجته في مسعى منها لامتصاص نقمة الشعب المتصاعدة ضد الحكومة والقوى السياسية إزاء التقصير في تقديم الخدمات ومعالجة الأزمات المزمنة، متملصة من مسؤولياتها بوضع كل الإخفاقات في عنق رئيس الوزراء وحده، حيث شجعت تلك التساؤلات التي أثارتها المرجعية القوى المشاركة في العملية السياسية، عدا الكردية، على التنافس في توجيه الانتقادات اللاذعة لأداء الحكومة.
مما يبدو أن الكتل السياسية النيابية تسعى من خلال الانتقادات الموجهة لحكومة عادل عبد المهدي إلى إعادة ترتيب أوراق تحالفاتها، بالاعتماد على مبدأ المعارضة، مستندة على جملة من الإخفاقات الحكومية، وعلى وجه الخصوص من خلال ملفي الخدمات ومكافحة الفساد، الأمر الذي يُنبئ عن خلق اصطفافات وتحالفات جديدة، خاصة أن التحالفات الموجودة حالياً هي هشة وضعيفة لكونها كانت بالأساس انتخابية، تفكك أغلبها بعد انتهاء الانتخابات بانتقال بعض النواب من هذا التكتل إلى ذاك، وحتى التوافق بين كتلتي «سائرون» المدعومة من مقتدى الصدر، و«الفتح» التي يرأسها هادي العامري، اللتين أتتا بعادل عبد المهدي لا يمكن النظر إليه على أنه دائم، أو سيستمر طويلاً.
إن الحديث عن استجواب الوزارة بالكامل وإقالتها التي نالت الثقة في الـ25 من تشرين الأول 2018، غير ممكن، لأنها ستدخل العراق في أزمات سياسية غير مسبوقة، وبخاصة أن القوى التي تتحدث عن ذلك ليس لديها أي حلول لمشاكل الحكومة أو بدائل لدى إقالتها، في ظل التهديدات الأمنية والأزمات الاقتصادية في العراق والمنطقة. وإن كل ما سيجري هو إقالة بعض الوزراء ممن جرى اتهامهم لاحقاً أنهم مشمولون بإجراءات قانون هيئة المساءلة والعدالة، كوزير الاتّصالات نعيم الربيعي الذي يُقال إنه شغل في عهد صدام حسين منصباً في جهاز الاستخبارات، واستجواب ومحاسبة بعض الوزراء والتصويت على إقالتهم حين التثبت من تقصيرهم، كوزير الكهرباء لؤي الخطيب، ووزير المالية فؤاد حسين المتهم بتسليم إقليم كردستان حصته المالية من الموازنة من دون الالتزام بشرط قيام الإقليم تسليم الشركة الوطنية للنفط «سومو» 250 ألف برميل نفط يومياً للتصدير عبرها، وفق ما جاء بالمادة 10 من قانون الموازنة المالية الاتحادية لعام 2019.
كما أن خطوة رفع الحصانة النيابية عن 21 نائباً، 10 منهم مطلوبون بقضايا فساد، والباقي مطلوبون بقضايا أخرى منها القدح والذم، التي تُعد الأولى من نوعها في دورته الحالية، ستثير أزمة سياسية واسعة، وخاصة أن أغلبية النواب التي تم تسريب قرار رفع الحصانة عنهم، هم من كتل سياسية سنيّة على خلاف مع رئيس المجلس النيابي محمد الحلبوسي وكتلته «الحل»، وبعضهم دخل في خلافات وخصومة شخصية معه، كالنائب طلال الزوبعي الذي نافس محمد الحلبوسي على رئاسة المجلس وطعن بصحة انتخابه نهاية العام الماضي، ما سيتسبب بأزمات جديدة إضافية داخل القوى العربية السنيّة في العراق.
ومع انطلاق الفصل التشريعي الجديد بانتهاء عطلة المجلس النيابي في الـ3 من أيلول الجاري، ستدخل العلاقة بين الحكومة والمجلس النيابي في خريف سياسي، باستجواب عدد من الوزراء وسحب الثقة منهم، ضمن أجواء من التوتر والصراعات نتيجة رفع الحصانة النيابية عن 21 نائباً، في ظل عودة المطالبات مجدداً بإخراج القوات الأميركية من العراق المتواطئة في تفجيرات ذخائر الحشد الشعبي، إنه فصل تشريعي لاهب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن