قضايا وآراء

«التحولات» الأوروبية والموقف الأميركي من سورية وروسيا

تحسين الحلبي :

يرى مراقبون عديدون أن واشنطن (والرئيس أوباما بالذات) بدأت تتطرق بنوع من (عدم الرضى) وبلغة (دبلوماسية) حتى الآن لكل ما يتعلق بالدعم الروسي العسكري والاقتصادي الذي تقدمه روسيا لسورية في مجابهتها جيشاً وشعباً وقيادة للإرهاب الذي يستهدف سورية.
ويبدو أن الإدارة الأميركية لاحظت أن فشلها في عرقلة الدور الروسي وتصاعد تأثيره على ما تخططه واشنطن لهذه المنطقة بدأ يلحق الضرر المباشر بالإستراتيجية الأميركية وأدواتها التي تسخر الإرهاب لمواجهة سورية.
وهذا ما يؤكده (جوستين ريموندو) رئيس تحرير المجلة الإلكترونية (أنتي وور) في افتتاحية جاء فيها أن روسيا والعالم كله يدرك أن واشنطن لا تجد أي مصلحة لها في تخفيض قدرات داعش ومجموعاتها الإرهابية لأن هدفها هو الرئيس الأسد والجيش السوري وتلتقي واشنطن مع داعش على الهدف نفسه وتعلن عنه في مناسبات كثيرة. ورغم المحاولات الدبلوماسية الروسية الواضحة حرصت واشنطن على فرض إرادتها على الشعب السوري وقيادته.
ولذلك يرى ريموندو أن روسيا هي الدولة التي ستتمكن من هزيمة مجموعات داعش حين تشارك في هذه المجابهة بشكل مباشر أو غير مباشر وليس الولايات المتحدة كما أن روسيا هي الدولة الصادقة في دعوتها للحل السلمي في سورية بينما لا تصدق واشنطن في أي دعوة لها للحل السلمي وهي التي تعلن عن تدريب وتسليح المجموعات المعارضة السورية في أكثر من دولة وتتعهد بنقلها إلى الساحة السورية للعمل ضد الجيش السوري وليس ضد مجموعات داعش التي استوعبت أول هذه المجموعات المسلحة وأصبحت جزءاً منها بحجة انشقاقها وفي ظل هذا الوضع من المتوقع أن تتجه التطورات نحو أحد احتمالين فيما يتعلق بمجابهة داعش في سورية فإما أن تزيد روسيا من الدعم العسكري والاقتصادي القادر على اختصار الفترة التي ستستغرقها حدة المواجهة المسلحة مع داعش وإما أن تجد إدارة أوباما نفسها مجبرة على التخلي عن شروطها الأحادية وغير الشرعية تجاه الحل في سورية.
ويبدو أن علاقة ديناميكية ذات تأثير متبادل تفرض نفسها داخل هذين الخيارين لأن تزايد عملية الإسراع بالتخلص من المجموعات الإرهابية ودحر توسعها سيفرض على واشنطن وحلفائها إعادة النظر في مواقفها والالتفات إلى طرق أخرى في تنفيذ سياستها.
ومن الملاحظ أن عدداً من الدول الأوروبية بدأ يعرب عن مواقف وآراء رسمية تختلف عن الشروط التي يريد أوباما فرضها وهذا ما ظهر في آخر تصريحات رئيس الحكومة البريطانية كاميرون وما أكدته تصريحات (ميركل) رئيسة الحكومة الألمانية التي طالبت بضرورة التفاهم والتنسيق مع موسكو في كل ما يرتبط بالحلول المناسبة للوضع في سورية وانضمت إسبانيا إلى الدفاع عن استمرار وجود الرئيس الأسد كرئيس شرعي لسورية.
وكانت النمسا أكدت أن الحل في سورية سيجري بوجود الرئيس الأسد والتفاوض معه ولم يبق من الدول المهمة في أوروبا سوى فرنسا التي ما زال رئيسها يتمسك بالموقف العدائي نفسه وغير المسوّغ تجاه سورية لكن الإعلان عن مشاركة فرنسا في الحرب على داعش مع بقية طيران التحالف الأميركي سيضع باريس أمام ساحة امتحان فإما أن يطابق دورها في حماية داعش الموقف الأميركي وإما أن يختلف فيجد أوباما نفسه عاجزاً عن توحيد موقف أوروبا ضد روسيا وضد سورية بالتالي.
ويراهن عدد من المحللين السياسيين الأميركيين الذين يعارضون سياسة التسخير الأميركي لداعش ضد سورية والعراق والمنطقة على احتمال قوي بتحول أوروبي يفرض على الإدارة الأميركية خلال السنوات المقبلة تجميد سياستها العدائية الهجومية على روسيا والصين لأن أوروبا لا ترغب بتحمل أعباء وكارثة حرب عالمية ثالثة في قارتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن