الأولى

موسكو وواشنطن: التحدي المباشر

بيروت – محمد عبيد :

أربكت المفاجأة التي أحدثها تظهير روسيا لدعمها العملاني المُطلق للدولة السورية وجيشها بشخص رئيسها الدكتور بشار الأسد مراكز القرار الأميركي. فصارت تارة تعتبر أن موسكو لا تستطيع أن تخوض حربين في أوكرانيا وسورية في وقت تسعى فيه لتعزيز قواتها في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وتارة أخرى ترى في هذا الدعم مدخلاً لبناء وجودٍ روسي دائم يساند صمود الدولة السورية في حملتها لإزالة «داعش» عن أراضيها. غير أن أعلى درجات الإرباك برزت من خلال اتصالات أركان الإدارة الأميركية الدبلوماسية والعسكرية مع نظرائهم الروس والتصريحات المتأرجحة التي سبقت ورافقت هذه الاتصالات والتي تضمنت عروضاً علنية لحلولٍ سياسية للأزمة السورية وفق صيغٍ غير مسبوقة في مقاربات هذه الإدارة منذ بداية تلك الأزمة.
لاشك أن هذا الوجود الروسي المباشر يشكل تحدياً لواشنطن، فهو سيُعقِد حركة ما يسمى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ ضربات جوية على داعش والتي أكدت مصادر روسية أنها -أي الضربات- وإن حصلت لا تعدو كونها شكلية وغير فعالة نتيجة غياب القرار السياسي الأميركي الحاسم، كما أنه سيُلغي إمكانية استثمار هذا التحالف على تمدد داعش للضغط على الدولة السورية وإضعافها بهدف إجبارها على القبول بتسويات تمكنه من الإمساك بالمنطقة من البوابة السورية، وخصوصاً إذا نجح الوجود الروسي في مساعدة الجيش العربي السوري وحزب اللـه على تغيير الوقائع الميدانية بوتيرة أسرع وبمساحة أوسع، كذلك فإن هذا الوجود سيمنع الجموح التركي نحو السيطرة الأرضية كتعويض عن منطقة الحظر الجوي وخصوصاً إذا توسع باتجاه الشرق أو الشمال السوري إضافة إلى مناطق الساحل، مع ما سيفرضه على القيادة التركية من التزام بعدم التفرد وضرورة مجاراة السياسات الأميركية فيما يتعلق بالوضع السوري.
أما على صعيد الكيان الإسرائيلي، فإن هذا الوجود الذي دفع رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إلى الإسراع في طلب مواعيد للقاء القيادة الروسية، سيرسم حدوداً جديدة تجبر قادة هذا الكيان على الأخذ بالحسبان مواقع الانتشار الروسي ومساحة حدود أمنه، إضافة إلى ما سيوفره من تسهيلات لنقل أسلحة روسية أو إيرانية متطورة لسورية أو لحليفها اللبناني الإستراتيجي حزب اللـه لصد أي عدوان إسرائيلي محتمل على دمشق وعلى بيروت أيضاً، أي بمعنى آخر سيفرض معادلة جديدة في المواجهة مع هذا العدو.
لكن المخاوف الأميركية -ومعها الإسرائيلية والتركية والسعودية- الأعمق والأهم تكمن في أن هذا المُعطى العسكري الروسي وأسبابه السياسية الموجبة برز إثر لقاءات أجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني خلال زيارة الأخير إلى موسكو موفداً من مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي. هذه اللقاءات التي تعتبرها مصادر مطلعة على بعض تفاصيلها فتحاً تاريخياً في العلاقات الروسية – الإيرانية وخصوصاً أنه يؤسس لتعاون عسكري وأمني مباشر للمرة الأولى في تاريخ البلدين بما يمكن أن يتجاوز سورية ليطول بلداناً أخرى للطرفين علاقات سياسية معها ومصالح إستراتيجية فيها كالعراق واليمن ولبنان، كما أنه سيفتح الطريق تباعاً لتواصل ميداني أيضاً بين المسؤولين الروس ومسؤولي حزب اللـه في المناطق السورية المستهدفة لاستعادتها من أيدي داعش والتنظيمات الإرهابية التكفيرية الأخرى.
من المؤكد أن واشنطن وحلفاءها لن تذهب إلى مواجهة عسكرية مباشرة مع موسكو على الأرض السورية كي تمنع أو تُعطل القرار الروسي السياسي والعملاني، وبالتأكيد أنها ستسعى أو هي بدأت فعلاً بالسعي لاحتواء هذا القرار سياسياً ودبلوماسياً بما يمكنها من تحديد خساراتها التي لن تقف عند حدود سورية.. لكن ذلك لن يعيق واشنطن عن البحث عن ساحات أخرى لإيلام موسكو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن