من دفتر الوطن

«الشاطر» والمشاغب!

| عصام داري

أعرف أن كلمة «شاطر» لا تعني في اللغة الذكي والمجتهد والمجد في الدراسة، وأن لها معنى آخر، لكنني سأستخدمها على اعتبارها تعبيراً عن الاجتهاد والتفوق في المدرسة والحياة وهي خطأ شائع، لكننا جميعاً نستخدمه.
أقول قولي هذا وأستغفر اللـه لي ولكم وذلك كي لا أتعرض لغضب اللغويين الذين سيوجهون لي العتاب واللوم لأني أسهم في استخدام مفردات غير فصيحة في الوقت الذي ينادون، وأنادي معهم، بضرورة الحفاظ على لغتنا الجميلة من اللهجات العامية التي أصابتها بعلل وأمراض مستحكمة، خاصة في وسائل الإعلام.
السبب الذي دعاني للحديث عن «الشاطر والشاطرين» أنني وأنا أستعيد في مخيلتي سنوات الدراسة، خاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، اكتشفت أن الشاطرين والمجتهدين حصّلوا مراتب علمية عليا فكان منهم الأطباء والمهندسون وما إلى ذلك، أما المشاغبون فقد تحولوا إلى الصحافة والمحاماة وسواها من المهن التي تحتاج إلى شخص باله طويل في النقاش و«اللف والدوران»! أما الكسالى أو الذين كانوا يكرهون الدراسة والمدارس فقد تحولوا إلى المهن الحرة فصاروا سائقين وعمال بناء ونُدلاً (جمع نادل) مع احترامي لكل المهن ولكل من يعمل فيها.
في طفولتنا كان أهلنا يريدون أن نصبح أطباء ومهندسين وطيارين وغيرها من المهن التي يعتبرونها المهن الراقية، وكانوا يتناسون أن المجتمع لا يقوم على فئة واحدة، فما فائدة دولة نصف عدد سكانها أطباء ويتوزع المهندسون والطيارون والعلماء على النصف الثاني؟
من سيزرع ويدير المصانع ويمارس التعليم والتجارة، بشرط أن يكون مواطناً صالحاً لا يغش ولا يضارب بالدولار ولا يرفع الأسعار ويحتكر السلع والمواد التي هي قوت الشعب؟
من سينظف شوارعنا التي صارت مرتعاً للقمامة والقاذورات، واذهبوا إلى مشروع دمر – على سبيل المثال– وسوف ترون بيوتاً بأسعار أقلها مئة مليون ليرة وبجانبها قاذورات تملأ المكان، والسيدة بلدية نائمة في العسل؟
على فكرة أنا خرجت عن الموضوع فقد كنت أنوي التفريق بين المشاغب والشاطر في الدراسة وأين وصل كل منهما اليوم، لكنني باعتباري كنت مشاغباً بامتياز وخاصة في المرحلة الإعدادية، تنكبت سلاح القلم وأمارس شغبي على صفحات الصحف والمجلات لأفضح كل من يتقاعس عن عمله، أو الذي يمد يده إلى بيت مال المواطنين و«يستعير» بضعة ملايين من الليرات والدولارات، ويعتبرها «خرجية» من أمه، أليست الدولة هي أم المواطنين جميعاً، ومن سرق من أمه كأنه ما سرق!!
وإذا كانت الدولة هي أمنا، فلماذا لا توزع أموالها علينا بالعدل والفسطاط، بدل أن تزيد الضرائب المباشرة وغير المباشرة على أبنائها «المعترين» من ذوي الدخل المحدود والمهدود! في حين يتمتع بعض الناس «المدللين» بالخرجية والحوافز وما فوق الحوافز من استغلال السلطة لتحقيق مآرب خاصة جداً.
وسؤالي الآن لكل من قرأ هذه الزاوية: هل وصلت الفكرة لهم، وهل عرفوا الفرق بين الشاطر والمشاغب، وكم من مسؤول يقرأ حروفي كان يتمنى لو كنت من الشاطرين، لكنني سعيد بمشاغباتي، ولو كره الكارهون، وسأظل ذلك المشاغب الخارج على قانون الغلط!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن