قضايا وآراء

أزمات إسرائيل

| تحسين الحلبي

ربما كان الكاتب الإسرائيلي غليعاد عتصمون يمتلك نسبة كبيرة من الوضوح في وصفه للوضع الإسرائيلي الانتخابي والسياسي الداخلي الراهن، فتحت عنوان مثير جداً هو: «لماذا إسرائيل يمكن أن ينتهي وجودها خلال جيلين» يقول في مجلة «ريدريس أون لاين» الإلكترونية في 14 أيلول الجاري: إن «الدرس الذي يمكن استخلاصه من الطريق السياسي الإسرائيلي المسدود هو أن إسرائيل بدأت تنهار وتتشظى إلى عناصر استحال توحيدها، فالانقسام داخلها لم يعد بين اليهود الأشكناز الغربيين واليهود الشرقيين، فالانقسام هو إيديولوجي وديني وروحي وسياسي واثني وثقافي وهو لم ينقسم إلى يسار ويمين لأن الكل يمين من ناحية سياسية حتى حين يزعم البعض أنه من اليسار، واليسار هو فقط التيار السياسي للعرب داخل إسرائيل».
يبدو أن كل كتلة حزبية كبيرة مثل الليكود وكتلة أزرق أبيض تجمع كل منها في داخلها جميع هذه الانقسامات من أجل مصلحة يتقاسمها كل الممثلين لهذه الانقسامات في داخل الكتلة، فهي وحدة مصالح لهذه الفئة أو تلك، ويقبل الممثلون عنها في هذه الكتلة الانتقال إلى الكتلة المنافسة مقابل ضمان مصلحتهم الفئوية، طائفية كانت أم دينية أو إثنية، هذه هي قاعدة تحالفات كل حزب صغير داخل كتلة أكبر.
استقرت هذه القاعدة في وجود كتلتين تتقاسم كل منهما هذه التقسيمات منذ أول حكومة أسسها ديفيد بن غوريون عام 1949، حيث كان عدد الأحزاب المتنافسة على المئة والعشرين مقعداً في الكنيست البرلمان يزيد على 30 أو 25 في كل دورة انتخابية ولا يفوز سوى 12 أو 15 حزباً يعود بعضها ويتجمع مع كتلة حزب العمل أو حزب حيروت-الليكود، واستمرت هذه الدوامة بأزماتها أكثر من سبعين عاماً حتى الآن، لكنها بلغت لأول مرة في انتخابات نيسان 2019 طريقاً مسدوداً حال دون تشكيل حكومة ائتلافية فاتفق على انتخابات أخرى في أيلول يبدو أنها ستعيد ظهور الطريق المسدود نفسه لكن ربما بوجود حل يجبر بعض الأحزاب على تغيير تحالفها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه أمام هذه المتاهة أين يكمن الخلل الرئيس والأزمة التي تولد الأزمات داخل هذا الكيان؟
يرى الكثيرون أنها بنيوية نشأت منذ ظهور هذا الكيان ورافقته، ومنذ تشكيل أولى الحكومات الإسرائيلية هيمنت كتلة حزب العمل ثم بلغت أعلى درجات أزماتها عام 1977 فتشظت واستغل الليكود الذي يمثل اليمين المتشدد برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغين هذه الفرصة وفاز بأغلبية وشكل أول حكومة ثم ها هو يبلغ مع بقية الأحزاب درجة التشظي فيصطدم بالأزمة نفسها لكنه يواجه هذه المرة مرحلة جديدة في الداخل ومع الخارج المجاور، فجبهة الشمال كما يطلق عليها والممتدة من جنوب لبنان إلى جنوب سورية عند خط فصل القوات في الجولان المحتل أصبحت تشكل بموجب ما يؤكده العميد المتقاعد غير شون هاكوهين الذي خدم 42 عاماً في الجيش الإسرائيلي وكان قائداً للكليات الحربية «خطراً وجودياً على مستقبل إسرائيل» ويترافق مع هذا الخطر التراجع الملحوظ بقدرة الولايات المتحدة على فرض ما ترغب في المنطقة، فالتهديدات الإسرائيلية الأميركية ضد إيران ومحور المقاومة استنفدت أهميتها بعد أن تراجعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن الصدام العسكري المباشر مع إيران في الخليج ومع تناقص قدرة ردعها كقوة كبرى في المنطقة.
هذا ما زاد المخاوف الإسرائيلية من مضاعفات هذا الوضع وتعريض إسرائيل لحرب على عدة جبهات وهو ما يحذر منه هاكوهين نفسه، وربما لهذه الأسباب والمخاوف الإسرائيلية أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيطلب من إدارة ترامب الموافقة على عقد اتفاق دفاعي مشترك بين واشنطن وتل أبيب وهو أول رئيس حكومة يطلب علناً مثل هذا الاتفاق. فالكل يعرف أن إسرائيل ليست بحاجة لما هو معلن في طبيعة علاقاتها في الدفاع عن إسرائيل وحماية مشروعها التوسعي، كما أن الاتفاقية العسكرية للشراكة الإستراتيجية بين هيئة الأركان من كل جانب تمثل أعلى شكل للدفاع المشترك وما زالت سارية المفعول لكن نتنياهو يريد إبلاغ رسالة لأطراف محور المقاومة وحليفها الروسي أن اتفاقية دفاع مشترك أميركية إسرائيلية يمكن أن تغطي الثغرات المستمرة في قدرة الردع الإسرائيلية وتضمن لإسرائيل تجنب أي هزيمة كبيرة من أطراف محور المقاومة، مع الإشارة إلى أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لطالما كانت تعارض مثل هذه الاتفاقية لأنها تقيد هامش التدخل العسكري الإسرائيلي في المنطقة وتربطه بموافقة أميركية موثقة أمام المجتمع الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن