ثقافة وفن

«الحبل السري» يتجول في أروقة الحرب على سورية

| سارة سلامة

كل شيء في تفاصيل المكان يتماهى مع بلد كامل، حياة زوجين مبعدين قسراً عن باقي جيرانهما في حارة يسكنها قناص مجرد من الإنسانية، التوقيت فيها يقف عند مشهد الحرب والحصار، هي رحلة معاناة بحث خلالها الإنسان السوري عن حياة ضاعت ملامحها، 20 دقيقة استطاع خلالها فيلم «الحبل السري» (كتابة رامي كوسا، إخراج الليث حجو)، الحاصل على جائزة أفضل سيناريو في الدورة الثامنة لمهرجان «Festival du Court-Métrage d’Auch» في فرنسا أن ينقلنا متجولاً بين ركام الحرب.

شريان حياة
حالة من الحب والهدوء تخيم على بيت محاط بالقلق معجون من الصبر فهذان الزوجان كانا يتكيفان مع كل طارئ، ذلك الراديو الذي نفدت بطاريته والدخان الذي يلفه وليد «يزن خليل» بورق أرقام الهاتف، وصنبور مياه موصول بأنبوب لإعادة دورة المياه لاستخدامها لأغراض أخرى. وقيام ندى «نانسي خوري» بقص شعرها لتوفير عناء غسله ومن ملابسها تحيك ثياباً لطفلتها.
تعيش هذه الأسرة متعلقة بحبل سريّ يمثل شريان حياة لها يتوسط الحارة ويبقيهم على تواصل مع الضفة الأخرى ويطلّ عليهم الجار بلهفة لطالما لفت السوريين حيث كان كفيلاً رغيف الخبز بإدخال البهجة والابتسامة إلى قلبهم حتى لو كان محملاً بالرصاص ومغمساً بالدم.

دورة الحياة
تصرخ الأم في حالة مخاض مبكر، يرتبك الزوج محاولاً الإسراع في إيجاد حلول لنقل زوجته للضفة المقابلة إلا أن رصاص القناص يخيم على الموقف لا وقت للانتظار أكثر، كان لا بد من الاستفادة من نصائح القابلة «ضحى الدبس» والمباشرة بتوليد زوجته في صندوق سيارته المنهكة مستخدماً أدوات بسيطة، ومع ارتفاع صريخ «ندى» التي كادت للحظات تفارق واقعها قبل أن تأتي نبضات تنعش روحها.. ها هو إذا ينتصر وينقذ عائلته، إلا أن قلبه الذكوري يشعل كبركان لا يهدأ، وعبر هدف وهمي وعبارة مسيئة أيقظ غيظ القناص.
من جديد تعود دورة الحياة، الأم في وضع أفضل تترقب طفلتها الصغيرة، يحملها قلبها الأنثوي إلى التفكير بتقديم الحلوان بمناسبة الولادة، فكان البرتقال هو من سرى بالجهة المعاكسة معبراً عن الطهارة والقداسة والولادة من جديد.

يحبس الأنفاس
في تفاصيل فيلم الليث حجو ما يستحق المتابعة بشغف، كل شيء يقول إننا نملك الأدوات ونستطيع تقديم سينما مبهرة. وفي نص رامي كوسا أشياء شائقة وسحرية جعلته يختصر في شخصين حكاية بلد كامل.
نحن أمام عمل سوري يجعلنا نحبس الأنفاس منذ بداية العرض إلى آخر لحظة بكادر بسيط وحركة سريعة للكاميرا وحوار مكثف، مشينا باتجاه الذروة في وقت نسينا حاضرنا وامتزجنا مع الفيلم، الذي قابله الجمهور بالكثير من الحب ما دفع المخرج الليث حجو أن يكتب على صفحته الشخصية على «الفيسبوك»: «عشرون عاماً على العمل في التلفزيون لم أستطع خلالها اختبار ردة الفعل الأولى للجمهور، خلال عروض الفيلم المتلاحقة وعرض دمشق خاصةً استطعت أن أختبر تفاعل الجمهور، فكانت لحظة ذات قيمة كبيرة بالنسبة لي».
حيث قدمت الغرفة الفتية الدولية بالتعاون مع دار الأسد للثقافة والفنون فيلم (الحبل السري)، بهدف إظهار القضية الإنسانية والإضاءة على الفنانين الشباب ودعمهم، وتم تكريم صناع العمل.
والفيلم من إنتاج «الاتحاد الأوروبي» بالتعاون مع «شركة سامة» للإنتاج الفني، بطولة: (نانسي خوري، يزن خليل، ضحى الدبس، جمال العلي وغيرهم).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن