قضايا وآراء

تحديات قمة التوافقات الهشة

| محمد نادر العمري

للمرة الثانية تنجح منصة أستانا بتحقيق خرق في الأزمة السورية، هذه المرة تمثل في الشق السياسي عبر الإعلان الواضح والصريح حول التوافق على قوائم أعضاء اللجنة الدستورية خلال القمة الخامسة لزعماء أستانا والتي استضافتها أنقرة، بعدما تمكنت هذه المنصة في السابق من التوصل إلى تحقيق خرق عسكري من خلال تحديد مناطق خفض التصعيد والتي ساهمت بتقليص نفوذ الإرهاب على مستوى الخريطة الجغرافية السورية.
فمن الملاحظ أن خروج الدخان الأبيض والأجواء الإيجابية التي سادت اجتماعات القمة وفق وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تكن وليدة اللحظة أو بناء على توافقات آنية، ولكنها كانت نتيجة متغيرات ومواقف وسلوكيات أرخت بظلالها لحدوث توافقات بحدودها الدنيا خلال هذه القمة:
1- التقدم العسكري السريع الذي حققه الجيش العربي السوري بدعم من سلاح الجو الروسي في تحرير ريف حماة الشمالي وأجزاء من جنوب ريف إدلب، الأمر الذي أدى إلى سقوط وتهاوي الخطوط الأمامية والأساسية للتنظيمات الإرهابية وعدم جدوى تحصيناتها على مر السنوات السابقة.
2- مسارعة المجموعة المصغرة حول سورية للاجتماع مع المبعوث الدولي الخاص إلى سورية غير بيدرسون في جنيف الخميس الماضي، بهدف محاولة عرقلة مخرجات هذه القمة والعودة للضغط الأممي لإحياء مسار جنيف على حساب أستانا، وخاصة أن واشنطن لمست نتائج هذه القمة قبل انعقادها نتيجة عاملين: الأول التوافقات والتفاهمات الروسية التركية التي حصلت في اجتماع بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد تحرير مدينة خان شيخون، العامل الثاني: الاقتتال والانقسام الحاصل بين التنظيمات الإرهابية وخاصة قيادات جبهة النصرة.
3- تأكيد كل من وزيري الخارجية والدفاع الروسيين على تطورات إيجابية تشهدها الجغرافية السورية، فالأول أكد اقتراب انتهاء الحرب وبقاء بؤر توتر محدودة، والثاني أشار إلى عودة الأمور لطبيعتها في معظم الأراضي السورية.
4- الإجراءات السورية التي استبقت القمة وتمثلت في تمديد هدنة ثمانية أيام رغم انتهاء مدتها، وافتتاح معبر أبو الضهور لخروج آمن للمواطنين السوريين واحتمال تزايد فتح المعابر خلال الفترة القادمة على غرار ما حصل أثناء تحرير شرقي حلب، وصدور مرسوم العفو رقم 20 لعام 2019 الذي يعتبر الأوسع والأشمل منذ بدء الحرب على سورية، وتضمنه عفواً عن الفارين الداخليين والخارجيين، ما يؤكد تمسك الدولة السورية بالخيار السلمي ودعوتها للمسلحين السوريين الموجودين في إدلب لتغيير اصطفافهم، قبل بدء معركة الحسم ضد التنظيمات الإرهابية وتأكيد بوتين استعداد بلاده لتقديم كل أشكال الدعم للقيام بها إلى جانب الجيش العربي السوري.
5- الزيارة الخاطفة والسريعة للمبعوث الخاص للرئيس الروسي  إلى سورية ألكسندر لافرنتييف للقاء الرئيس بشار الأسد، وهذا كان يشير إلى إطلاع الجانب الروسي للقيادة السورية على قائمة الأسماء والحصول على موافقتها على أي مبادرة روسية إيرانية من شأنها تقريب وجهات النظر بين سورية وتركيا، وهذا ما يفسر ربما تأكيد الرئيس روحاني أهمية اتفاق أضنة لعام 1998 لحماية السيادة السورية وتأمين الأمن القومي التركي، ما يفسر في الوقت ذاته غياب استخدام مصطلح «المنطقة العازلة أو الآمنة» من التركي واستبدالها بمصطلح «ممر السلام».
6- المتغيرات والمواقف الإقليمية تجاه سورية وتجلت أولاً بعودة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مكبلاً من موسكو، وثانياً الوضع المتأزم لتركيا على المستوى الداخلي، وثالثاً أبعاد تصريح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل القمة بأيام عن أن الإرهاب كانت وظيفته تدمير الدولة السورية، ومثل هذا التصريح يؤكد أن شيئاً ما تقوده موسكو والقاهرة لإعادة العلاقات العربية مع سورية وهو ما طالب به بوتين في مؤتمره الصحفي.
ولكن في الوقت ذاته هذا التفاؤل والإيجابية في التصريحات التي لم تستطع إخفاء التناقضات التي ظهرت مابين الترويكا الضامنة، فالتناقض في اختلاف تحديد المجاميع الإرهابية والتناقض في الهدف من إعادة اللاجئين ومصير شرق الفرات شكل جزءاً أساسياً من التحديات العملية إلى جانب مروحة من التحديات الأخرى التي تنتظر ملفات أستانا:
أولاً: مدى التزام التركي بتعهداته التي أعلنها وخاصة فيما يتعلق بوقف الدعم عن المجموعات المسلحة وتشكيل اللجنة الدستورية ومحاربة الإرهاب وإعادة اللاجئين طوعاً من دون إعادة استثمار ملفهم الإنساني لأهداف سياسية أو مادية.
ثانياً: موقف ومصير المجموعات الإرهابية ذات النهج القاعدي، فهي تبدو أنها أصبحت الخاسر الأكبر في ظل عدم أي تصريح مباشر من أردوغان حول إدلب وتسرب بعض المعلومات التي تؤكد حصول خلاف مابين تركيا وقيادات «النصرة»، ورفض الأخيرة مطالب أنقرة بالانسحاب من الطريقين الدوليين من حلب باتجاه حماه أو باتجاه اللاذقية، والإصرار الروسي والإيراني على دعم الجيش العربي السوري في عملياته للقضاء عليها، الأمر الذي يجعل هذه المجموعات بين ثلاثة خيارات:
• الانتقال نحو الحاضنة والغطاء الأميركي، كبديل عن الداعم التركي.
• الانسحاب نتيجة الخسائر التي تلقتها أو قد تتلقاها في قادم الأيام باتجاه مناطق سيطرة ما يسمى قوات درع الفرات وغصن الزيتون، وحصول اشتباك بينها وبين المجاميع التابعة لتركيا لبسط النفوذ من دون إغفال احتمال قيامها بعمليات عدوانية وانتقامية داخل تركيا.
• رضوخها للمطالب التركية بالانسحاب وإعادة توظيفها في عمليات عدوانية تركية محتملة ضد ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، أو نقلها نحو مناطق توتر أخرى على مستوى المحيط الإقليمي.
ثالثاً: السلوك الأميركي الرافض لأي تطورات تدعم متانة منصة أستانا ولا تصب في سياق خدمة أجنداته، وبالتالي فإنه سينتهج أحد ثلاثة مسارات من شأنها عرقلة ما تم الاتفاق عليه في قمة أنقرة:
– المسار الأول العودة للتأثير في المشهد العسكري الإدلبي عبر تصفية القيادات القاعدية المقربة من تركيا وإعادة احتوائها لعدم انصياعها للتفاهمات الروسية التركية، وضمن هذا المسار قد تلجأ الإدارة الأميركية إلى زيادة العقوبات الاقتصادية على تركيا، وإلغاء أو اختصار لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع أردوغان أثناء انعقاد الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة.
– المسار الثاني: تعطيل عمل اللجنة الدستورية التي تم الاتفاق على قوائم أعضائها مابين الترويكا، إما عبر الضغط الأميركي على المبعوث الدولي إلى سورية لتغيير مسار عملها، أو عبر المطالبة بحصة القوى الكردية وميليشيا «قسد» بتمثيل يوازي حجم سيطرتها الميدانية انطلاقا من العرقلة وليس الرغبة في التمثيل، وهذا برز مؤخراً في مطالبة ما يسمى مستشار الإدارة الذاتية الكردية أنور اليحيى «بضرورة مشاركة الإدارة الذاتية في صياغة الدستور معتبراً أن استبعادهم سيخل بالعقد الاجتماعي».
– المسار الثالث: أن تقدم واشنطن على تقديم بعض التنازلات لأنقرة حول ما يسمى المنطقة العازلة لإثارة «لعاب الأخيرة» ودفعها للتنصل من التزاماتها.
• أما التحدي الرابع هو اختصاص ونطاق وآليات عمل اللجنة، وهنا قد نشهد كباشاً في تفسير عمل اللجنة، فدمشق وحلفاؤها يستندون إلى مخرجات الحوار الوطني في سوتشي لعمل هذه اللجنة والمتمثلة بإدخال تعديلات أو إصلاحات على الدستور الحالي، بينما واشنطن والمجموعة المصغرة تعتمد «جنيف1» كمرجعية في تفسيرها، لذلك قد تصر على وضع دستور جديد يتضمن انتقالاً سياسياً للسلطة.
منصة أستانا رغم تحقيقها إنجازات عسكرية في السابق ودخولها مرحلة سياسية اليوم، مازالت غير متماسكة في موقفها من حل الأزمة السورية، والمتابع بشكل حقيقي لتصريحات زعماء الترويكا يدرك تماماً أن قيادات هذه الدول متمسكة بأستانا نتيجة ضرورة الحاجة ورغبتهم في التصدي للهيمنة الأميركية، لذلك ستبقى أي مخرجات رهن مصالح والتزام هذه الدول وخاصة تركيا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن