ثقافة وفن

أحتاج شيئاً من الهدوء لأكتب لا أكثر … فادي قوشقجي في حديث لـ«الوطن»: لا وصفة جاهزة للكتابة.. والتلاعب لإبهار المشاهد لا يعنيني

بثينة البلخي :

البعض يكتبون بعقولهم، وآخرون بأرواحهم، وبين الاثنين من يكتب بقلمه ليس إلا، لكن قد ينصاع العقل للروح، فيبدع القلم في رواية حديث النفوس الحائرة ووصف أوجاعها، همومها، أفكارها، وأحاديث تخشى أن يسمع أحد صوتها.. هو بقلمه وعقله وروحه لا يزال حتى اللحظة يقدم لنا شيئاً من حديث نفوسنا ويقرأ خبايا أفكارنا المشوشة..
في حديثه لـ«الوطن» يقر فادي قوشقجي المنتمي إلى الجمهور أولاً، بإيمانه «بحق أي كان في الكتابة عن أي شيء.. سر الكتابة الناجحة هو ما تضخه فيها من فكر ومتعة.. أنا لا أكتب إلا دراما اجتماعية معاصرة دون أن يعني ذلك رفضي لبقية أنواع الدراما… فليكتب من يشاء ما يشاء والجمهور سيغربل.. لقد صنعنا في سورية دراما تاريخية رائعة مثلاً… لم لا؟ وصنعنا دراما شامية مستندة غالباً إلى فكر ظلامي متعفن.. أيضاً لم لا؟ فليطرح كل ما لديه.. أنا من ناحيتي أقول دوماً أنني حين أكتب أختار جمهوري.. لن آمل يوماً أن يشاهدني عشاق دراما الطرابيش.. وهذه تسمية مجازية لا تتضمن أي إهانة للطربوش. وبالمناسبة لن آمل أن يشاهدني ولن يسعدني أن أعجبه»!

لا وصفة جاهزة للكتابة..
والتلاعب لإبهار المشاهد لا يعنيني
لدى سؤاله حول ما تحتاجه الكتابة الدرامية الناجحة هل هي بحاجة ؛ قاص، أم فنان، أم أكاديمي؟ يجيب الكاتب السوري: «لا توجد وصفة جاهزة.. أنت تجدين في الحياة من يقص عليك حكاية حدثت معه بأسلوب جميل وآخر يقصها بأسلوب ممل؛ الأول ينفع كاتباً والثاني لا ينفع.. المسائل التقنية يتعلمها المرء بسهولة بقراءة بضعة كتب أو سيناريوهات أو اتباع دورة ما، أما ما يحتاجه ليكون كاتباً فعلاً فهو ما أعتقد أنه مرتبط بالإرادة والقرار، والموهبة، وثراء الروح، والثقافة، إضافة إلى الانغماس في المجتمع وعدم التعالي عليه».
قوشقجي يرسم دراماه لوحات مكتملة الشغف، ويترك للجمهور إدراك جوهر جماليتها، كما في أول أعماله «على طول الأيام»، حين بت بنهاية قصة حب خلبت ألباب العشاق منذ البدايات، وترك المشاهد يتابع تفاصيل واقع حقيقي يعيشه غالبا ليعيده إلى البداية الجميلة ويسرق من عينيه ألق اللهفة، لكنه مع ذلك يقول إنه ليس متأكداً من إمساكه بعنصر التشويق جيداً، «فهذا العنصر لا يشكل أولوية لديّ حين أكتب، بالطبع هو عنصر ضروري ولا غنى عنه، لكنني بالمطلق ضد ليّ عنق الواقع والمنطق من أجل جعل المشاهد يلهث في انتظار الحدث التالي، وهو في حقيقة الأمر يكون في هذه اللحظة في حالة انتظار لما خطر لي أنا بشأن الحدث التالي! هذا التلاعب في سبيل إبهار المشاهد وجعله يسابق الزمن لا يعنيني، لذلك أحرص على أن يكون التشويق ضمن حدود منطقية معتدلة».

سأقيم حفلا حين يقترب نص كتبته
من تصوراتي عنه بنسبة 60%!
على أهمية الأعمال التي قدمها فادي قوشقجي للدراما السورية، لكن الغريب أنها – باعترافه- لا تقارب تصوراته بنسبة كبيرة، بل إنه يقول: «حين أصل إلى يوم يقترب فيه المسلسل في صيغته النهائية من تصوراتي عنه بنسبة ستين بالمئة سأقيم حفلاً بالمناسبة، لدي ما أزعم أنه نَفَس روائي ومشروعي يتضمن -كما أزعم أيضا- الكثير من «الروح» دون أي معنى ما ورائي للكلمة، وليكتسي نصي في رحلته بالمادة فإنه يمر على أصناف متعددة من الناس كل منهم يطمح أن تكون الاضواء كلها مركزة عليه.. وهذا حق طبيعي لأي مبدع بالطبع، ليست لدي أي أوهام وأعرف أنني هنا بصدد عمل جماعي وإلا لاكتفيت بعالم الرواية حيث الملعب لي وحدي».

مشاهد عادي..
وكاتب في شيء من الهدوء لا أكثر..
بسيط هذا الرجل في طقوس كتابته الراقية التي يحتاج لها « شيء من الهدوء.. لا أكثر ولا أقل»، وفي متابعته لأعمال كتبها الآخرون التي يرفض التفكير فيما لو كانت بين يديه كيف سيغير أو يبدل فيها بل إنه يؤكد «أتابعها كمشاهد عادي جالس ليتلقى حصته من الفكر والمتعة من العمل، وحين لا أحصل على أي منهما أترك العمل، أما التنظير على الآخرين، فيما يكتبون فليس من هواياتي على الإطلاق».
أما عن أفكار أعماله، «فمن النادر أن تلمع الفكرة من تلقاء نفسها، يحدث ذلك لكنه ليس الحالة العامة، غالباً الموضوع يأتي نتيجة دراسة وقرار بالكتابة حول الموضوع الفلاني ثم البحث عن الأدوات والشخصيات والقصص المناسبة لموضوعي، أما الزمن فمتفاوت جداً ولا أستطيع إعطاء أي فكرة ولو تقريبية عنه».

يجذبني البحث عن الأسباب
في مسلسله الذي عرض مؤخراً «في ظروف غامضة» قارب قوشقجي الأزمة السورية بأسلوب مغاير لكثير من المسلسلات اليوم، ولعل ذلك كان واحدا من أسباب نجاح المسلسل، وما حازه من إعجاب من كتبوا عنه، وفي هذا يقول: «الأزمة السورية قابلة للمقاربة بصيغ متعددة، الجانب «الوثائقي» منها إن صح التعبير لا يعنيني ككاتب، قد أشاهده وأعجب به في أعمال أخرى، لكنه لا يحرك لدي الدافع للكتابة، ما يجذبني أكثر هو البحث عن الأسباب، وعما وراء الظاهر والمرئي في نشرات الأخبار، ما حدث لنا مفجع بكل المقاييس، وقد أثار لدي أسئلة تشغلني أكثر من التساؤل عن «من فعل ماذا» وهو ما أعتقد أنه سيحكم مقارباتي المستقبلية للأزمة أيضاً».

أختار جمهوري.. وفي ذلك سعادتي الحقيقية
كتاباته وصفحته الشخصية على موقع فيسبوك ووجهه أشياء تشي بقربه من الناس، ولعل هذا يسوق إليه شيئاً من الغرور، بعد هذه الشهرة الواسعة، لكنه لدى السؤال عن هذا، يوضح أنه «يصعب على المرء الحكم على نفسه، المغرور لا يعرف أنه مغرور ويرفض هذه التهمة، آمل أنني لست كذلك ولا أجد أي أسباب منطقية لأكون مغروراً أصلاً، فأنا لم أحقق ما لم يحققه أحد، أشكرك على إضافة «وجهي» إلى حججك في وصفي بأني قريب من الناس.. هذا إطراء جميل.. أما كتاباتي وصفحتي على الفيسبوك فهي تمنحني كل يوم الكثير من الثقة والأمل، قلت سابقاً أنني أختار جمهوري وحين أجد أنني أنجح بذلك وأحظى بمحبة أولئك الذين بحثت عنهم فأنا أشعر بسعادة حقيقية وثقة متزايدة.. آمل أنها ليست غروراً».

اختبار لرحابة صدرنا!
في السؤال الأخير لـ«الوطن» -ووفق الكاتب- فإنه أجاد في الإجابة وأسهب آملا أن نفسح له المجال بقول ما لم يقله في أعماله بعد، لسبب أو لآخر.. يجيب الكاتب: «ربما ما لا أستطيع قوله في أعمالي هو ذاته ما لا أستطيع قوله في جريدتكم.. هل أستطيع؟ دعينا نجرب ذلك.. ونختبر رحابة صدركم.. أريد أن أقول إن من حق أي إنسان أن يعتنق الدين الذي يعجبه وأن يغير رأيه وينتقل إلى آخر وأن يرفض كل الأديان.. دون أن يعرضه أي موقف من هذه المواقف لأي نوع من المساءلة أو التمييز.. أريد أن أقول أن للمرأة حقاً مطلقاً في التصرف بما تملك: عقلها وروحها وجسدها.. من دون أن يعرضها أي خيار تختاره هنا في استخدام حقها أو عدم استخدامه لأي نوع من المساءلة أو التمييز.. أريد أن أقول إن كل صلح مع العدو الإسرائيلي خيانة.. ولا نهاية لهذا الصراع إلا بقيام فلسطين الحرة المستقلة من النهر إلى البحر
أريد أن أقول إن كرامة الوطن وحريته هي من كرامة وحرية كل فرد فيه.. ومن يقدم نفسه كمشروع مقاومة وممانعة يفترض أن يكون مشروع عزة واعتزاز… ولا عزة لوطن ينهبه حيتان المال والفساد.. ولا حرية لوطن تحتجز بعض خيرة عقوله في عتمة أقبية الفروع الأمنية».
ويختم صاحب المسلسل المنتظر «نبتدي منين الحكاية».. «في كل ذلك قلت بعضاً من كل، وأطمح أن أقوله كله شيئاً فشيئاً في الدراما، ولعل مروره في الجريدة هنا يحفز لدي بعض الأمل في ذلك».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن