قضايا وآراء

حتماً سيكتمل الانتصار

| موفق محمد

لا يكاد يختلف اثنان على أن «انتصاراً كبيراً» حققته الدولة السورية في هذه الحرب الظالمة التي شُنت عليها من قبل أكثر من 100 دولة استخدم فيها إرهابيون من كل أصقاع العالم.
نعم «انتصار كبير»، يسجل للدولة السورية وقيادتها، شاء من شاء وأبى من أبى، فداعش انتهى كتنظيم، ووجوده بات يقتصر على جيوب صغيرة في البادية، يجري التعامل معها لإنهائها بشكل كامل، وملف إدلب آخر معاقل الإرهابيين والميليشيات المسلحة يجري تفكيكه سياسيا، بعدما تقلصت قدرة النظام التركي على المناورة، مع إثبات سورية وحلفائها أن بمقدورهم إنهاء هذا الملف عسكرياً على غرار الملفات السابق، وكذلك ملف شمال وشمال شرق البلاد، ورغم طغيان التعقيد عليه لكثرة الفاعلين الدوليين فيه وتعارض مصالحهم، ظهرت مؤشرات عديدة على أن حله سيتم سياسياً.
قد يرى البعض ممن يراقبون ويحللون الأحداث الجارية في سورية عن بعد من غرف الفنادق الراقية وعبر شاشات دول شاركت بشن هذه الحرب في تعبير «انتصار كبير»، «مبالغة» و«مزاودة» و«تملقاً»، وهذا شأنهم ولن نمنعهم من إبداء آرائهم، ولكن من حقنا الرد عليهم، ونقول لهم كما يقول المثل العامي «يلي بيعرف بيعرف.. ويلي ما بيعرف.. بيقول كف عدس».
في ذات الوقت، الموضوعية تفرض علينا القول إن ما حققته الدولة السورية وقيادتها صحيح أنه «انتصار كبير»، حيث تم إفشال مخططات الدول المعادية وأدواتها في تدمير سورية كدولة، بيد أنه ليس انتصاراً نهائياً، وهي تسعى بكل جهودها وما أوتيت من قوة لإكماله سواء عبر السياسة أو العمليات العسكرية، لإعادة ما تبقى من مناطق خارجة عن سيطرتها إلى حضن الوطن وهو ما سيتم دون أدنى شك.
ولكي يكتمل هذا الانتصار ويصبح نهائيا، يتطلب الأمر أيضاً التعامل مع ما خلفته هذه الحرب القذرة في الداخل السوري من مفرزات وتداعيات، وهي معركة تخوضها الدولة وقيادتها منذ أن شُنت هذه الحرب على سورية، ولكن يبدو حاليا وبعد تقلص رقعة المعارك واستعادة السيطرة على معظم المساحات التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين، أنها زجت بثقلها أكثر من السابق في هذه المعركة من أجل الانتصار فيها، لأن ذلك يعتبر من العوامل الأساسية لاكتمال الانتصار، وضرورة ملحة لكي يستقيم الوضع في البلاد.
وإذا كانت المعارك مع الدول المعادية لسورية وأدواتها الإرهابية، هي أشبه بحرب تقليدية، جرت مع إرهابيين على جبهات متعددة في البلاد بالأسلحة المعتادة من طائرات ودبابات ومدافع وأسلحة خفيفة، وترافقت مع حرب سياسية شنتها تلك الدول ضد سورية في وسائل الإعلام وأروقة المنظمات الدولية، فإن معركة إنهاء مفرزات وتداعيات الحرب في الداخل، طرفها الأخر هم «فاسدون مفسدون وتجار حرب ودماء»، استغلوا ما تعرضت له البلاد، لتحقيق مصالح شخصية بطرق غير مشروعة.
«الفاسدون المفسدون»، وجودهم في سورية ليس بجديد، كما هو الأمر في الكثير من الدول وحتى المتقدمة منها، ولكن ما مرت به سورية من ظروف خلال هذه الحرب، وجد فيه هؤلاء فرصة مواتية لتكثيف جرائمهم، كما انضم إلى تلك «الزمرة» الكثير من «ضعاف النفوس» فازداد عددها وجرائمها، وعملت على استمرار هذه الحرب وإطالة أمدها لما في ذلك من مصلحة لها.
«زمرة الفاسدين المفسدين» يرى كثيرون أنها أخطر بكثير من أتباع «البغدادي» و«الجولاني» وباقي التنظيمات الإرهابية، وخطورتها تكمن في أن المنضوين فيها يعيشون بيننا، ونشاهدهم ويشاهدوننا، ويتعاملون معنا ونتعامل معهم في كل يوم، لا بل في كل ساعة، ويتخذون من عباءة «الوطنية» وهم أبعد ما يكونون عنها، ستارة للتغطية على جرائمهم التي أقل ما توصف به أنها «خيانة» للوطن والمواطن.
هم منتشرون بكثافة في كل مكان للأسف، والجميع يعرفهم، لكن قليلاً من المواطنين من يجرؤ على مواجهتهم، فرد هؤلاء «الفاسدين المفسدين» جاهز وهو «حماية الوطن»!.. هم موجودون في الشوارع ويوزعون «صكوك الوطنية»، ويلصقون التهم بمن يعارض جرائمهم، ويعتدون على كرامة المواطنين بذريعة «حفظ الأمن»، ويجمعون ثروات طائلة من وراء «النهب» و«السرقات» وفرض «الإتاوات»، و«البلطجة».
هؤلاء موجودون في المؤسسات الحكومية، ويبتزون الناس بحجة «الروتين»، وفي الأحياء يشكلون حاجزاً بين اللقمة والأمعاء الخاوية عبر استغلالهم للنازحين بالإيجارات، وفي الوسطين الصناعي والتجاري، حيث استغلوا الأوضاع ورفعوا الأسعار إلى أرقام غير مسبوقة، ففاقت أرباحهم تكاليف الإنتاج أضعاف مضاعفة.
بين هؤلاء «عملاء» و«غادرون» للوطن والمواطن، باعوا ضميرهم وأداروا ظهورهم للوطن، ومدوا العدو بأسلحة وذخيرة ساعدته على البقاء واستنزاف البلاد والعباد، وأفشوا الأسرار، وتقاعسوا عن أداء الواجب، وجمعوا ثروات من وراء نكبة وطن لا يريدون لها أن تنتهي طمعاً بثراء أكبر!.
المصالحات أيضا اندسوا بين لجانها، لا بل دفعوا المال لذلك، ونصبوا على ذوي الموقفين والمختطفين والمفقودين بملايين الليرات، مستغلين شغف هؤلاء لمعرفة مصير أبنائهم.
لم يكتف هؤلاء بكل ذلك، ووصل الأمر ببعض «المسؤولين» منهم إلى التآمر مع «تجار الحروب والدماء» وتزوير الحقائق فيما يتعلق بـ«الناحية الفنية» للمنازل في مناطق حررها الجيش العربي السوري، في وقت يذوق فيه مهجروها المنحدرون في أغلبيتهم العظمى من الطبقة الكادحة، وقدموا مئات الشهداء فداء للوطن، الأمرين بسبب تفاقم معاناتهم في التهجير والتشرد والغلاء، وينتظرون بفارغ الصبر عودتهم إليها، وكل ذلك وسط وعود كاذبة لا تعد ولا تحصى من هؤلاء «المسؤولين» لهم بقرب إعادتهم إلى أحيائهم ومنازلهم.
والأدهى من كل ذلك، وما أدى إلى ارتفاع أصوات المهجرين المطالبة بالعودة، ترافق تلك الوعود مع تزايد عمليات النهب والسلب التي تتعرض لها منازلهم بأيدي «ضعاف النفوس»، ووصول الأمر إلى تعمد هؤلاء هدم أسقف البيوت الصالحة للسكن ونهب الحديد الموجود فيها!، الأمر الذي لا يحتاج إلى عناية في التفكير وكثير من البداهة، للإدراك بأن ما يجري، لا يمكن تفسيره إلا أنه «مؤامرة» أطرافها «مسؤولون فاسدون مفسدون وتجار الحروب والدماء»! وخصوصاً أن الكثير من هؤلاء المهجرين يتقلون اتصالات من مكاتب عقارية تعرضُ عليهم بيع منازلهم بأسعار بخسة، وذلك بعد ساعات من ارتكاب جرائم هدم أسقف تلك البيوت والتي تزداد يوميا!.
الأمانة والموضوعية، تفرض علينا التأكيد أن مكافحة «الفساد والمفسدين وتجار الأزمات» قائمة في سورية منذ نحو خمسة عقود ولم تتوقف خلالها، وشكلت أولوية لدى قياداتها وجرت محاسبة الكثيرين منهم على جرائمهم بحق الوطن والمواطن، ولكن هذه الأولوية ربما تراجعت نوعا ما في السنوات الأولى للحرب، نظرا لهول هذه الحرب وفظاعة المخطط الذي كان يراد تنفيذه في سورية من قبل أعدائها، ما دفع القيادة السياسية إلى وضع مسألة التصدي لهذا المخطط وإفشاله كأولوية مطلقة على باقي الملفات.
والآن ومع إفشال ذلك المخطط وبقاء سورية كدولة قائمة بقيادتها ومؤسساتها وشعبها، واتضاح مسارات الأحداث أكثر، يبدو أن مكافحة «الفساد والمفسدين وتجار الأزمات والحروب والدماء» عادت كأولوية لدى القيادة، وتوسم المواطنون الذين آثروا الوطن وقيادته على إغراءات الدول المعادية، خيرا بأنهم لن يظلموا ولن تسلب حقوقهم ولن تضيع في بلد يقوده الرئيس بشار الأسد الذي لم يعهدوا منه منذ توليه لهذا المنصب إلا إحقاق الحق والعدل والإنصاف ومحاربة الفساد والضرب بيد من حديد على رؤوس «الفاسدين والمفسدين»، وكلهم ثقة بأن سيد الوطن الذي كان العامل الأول والأهم في الانتصار على أعتى حرب إرهابية كونية شنها على سورية أكثر من 100 دولة، سينتصر في هذه المعركة بقطع دابر هؤلاء «الفاسدين والمفسدين وتجار الحروب والدماء» ومحاسبتهم، وإعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي، ويستقيم الوضع في البلاد، ليتم بعدها إعلان الانتصار النهائي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن