عربي ودولي

الصين تحتفي اليوم في دمشق بذكرى تأسيسها السبعين … تحولات كبرى وصعود نحو صدارة العالم

| سيلفا رزوق

تحتفي الصين اليوم في دمشق بذكرى تأسيسها السبعين، وسط متغيرات سياسية كبرى، تفرضها المعطيات الدولية الجديدة، التي كرست صعود دول جديدة على رأسها الصين، لتتصدر المشهد الدولي متسلحة بما وصلت إليه من تقدم اقتصادي وتكنولوجي وأيضاً عسكري.
في الأول من تشرين الأول من عام 1949، أقيم احتفال مهيب في ميدان «تيان أن من» في بكين اشترك فيه 300 ألف من الجماهير، بمناسبة تأسيس الدولة، حيث أعلن الرئيس ماو تسي تونغ حينذاك، تأسيس جمهورية الصين الشعبية رسمياً.
بعد تأسيس الجمهورية الشعبية، نجحت الحكومة الصينية في إنجاز الإصلاح الزراعي بالمناطق التي تشكل أكثر من90 بالمئة من المزارعين في البلاد كلها، وحصل 300 مليون فلاح على 47 مليون هكتار من الأراضي، ونجحت الخطة الخمسية الأولى للتنمية الاقتصادية الوطنية التي نفذت في فترة 1953–1957، محققة منجزات مدهشة، فبلغت نسبة زيادة الدخل الوطني أكثر من 8.9 بالمئة سنوياً، وأنجز بناء مجموعة من الصناعات الأساسية يحتاج إليها التحديث الصناعي احتياجاً شديداً، ولم يكن لها وجود سابقاً، ومنها صناعة الطائرات والسيارات والآلات الثقيلة والدقيقة ومعدات توليد الكهرباء ومعدات التعدين والمناجم وسبائك الفولاذ الممتاز وصهر المعادن غير الحديدية وغيرها.
في فترة 1957-1966، قامت الصين بالبناء الاشتراكي على نطاق واسع، بالمقارنة مع عام 1956، وازدادت الأصول الثابتة للصناعة في عام 1966 ثلاث مرات حسب السعر السابق، وازداد الدخل الوطني 58 بالمئة حسب السعر الثابت، كما ازدادت كمية إنتاج بعض المنتجات الصناعية الرئيسية عدة مرات أو بضع عشرة مرة، وجرى البناء الأساسي الزراعي والإصلاح الفني على نطاق واسع، والفترة ما بين أيار 1966 وتشرين أول عام 1976 هي السنوات العشر لـ«الثورة الثقافية الكبرى» التي نزلت فيها أخطر نكسة وأفدح خسارة بالبلاد والشعب منذ تأسيس الجمهورية الشعبية.
في تشرين أول عام 1976، سحقت طغمة جيانغ تشينغ المعادية للثورة، وكان ذلك رمزا لانتهاء «الثورة الثقافية الكبرى»، ودخلت الصين مرحلة جديدة في التاريخ، أعيدت إلى دنغ شياو بينغ الأمين العام السابق للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، كل مناصبه الحزبية والحكومية، وتحت قيادته بدأت الصين تطبيق سياسة «الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي» عام 1979، وتحويل مركز ثقل الأعمال إلى بناء التحديثات، وبواسطة إصلاح النظام الاقتصادي والسياسي، حددت طريق بناء تحديثات اشتراكية ذات خصائص صينية.
ومنذ تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي، طرأت تغيرات كبيرة عميقة على ملامح الصين. وأخذ يتطور اقتصادها تطورا سريعا ويرتفع مستوى معيشة الشعب ارتفاعا واضحا، وتعد هذه الفترة أفضل فترة من حيث الوضع السياسي والاقتصادي منذ تأسيس الصين الجديدة.
أنجزت الصين بناء سياسياً واقتصادياً واجتماعياً عظيماً على جميع الصعد، عبر مراحل متعاقبة وسياسات يتلاءم كل منها مع المرحلة التي تم تطبيقها فيها. وقد شهد عهد الزعيم الصيني الأشهر ماو تسي تونغ الذي قاد تأسيس الدولة الاشتراكية وأعطاها طابعها الصيني المتميز، تركيزا كبيراً على بناء الصناعات الثقيلة ومجمل القواعد الاقتصادية والسياسية للاستقلال الوطني والاعتماد على الذات وعلى بناء الإنسان الصيني عبر نظم جيدة للصحة والتعليم والبحث العلمي. كما ضمن الحماية وقدرة الردع لبلاده بدخول النادي النووي في منتصف ستينيات القرن الماضي. ولم يستنزف بلاده في سباق تسلح مكلف بل اكتفى بما هو ضروري لردع وتدمير كل من يفكر في العدوان على بلاده.
واعتمد على سياسة «الإحلال» محل الواردات لرفع مستوى الاكتفاء الذاتي لبلاده بتطبيق هو الأكثر ذكاء وكفاءة من أغلبية الدول التي طبقتها، حيث قامت الصين بسلسلة متكاملة من «الإحلال» محل الواردات من السلع الاستهلاكية للآلات والمعدات والسلع الوسيطة، خلافا لما تم في أغلبية الدول النامية من الإحلال محل الواردات في مجال السلع الاستهلاكية مع الاستمرار في الاعتماد على استيراد الآلات والمعدات والتقنيات الأجنبية. ولذلك أفضى النموذج الصيني إلى بناء قاعدة صلبة للاستقلال الاقتصادي حتى لدى الانفتاح على الاقتصاد العالمي بشكل واسع النطاق.
استطاعت منذ تأسيسها عام 1949 وبالاعتماد على ذاتها أن تحقق إنجازاتها الاقتصادية الجبارة بعقول وسواعد ومدخرات أبنائها، والاقتصاد الصيني، الذي بدأ من نقطة الصفر على ضوء الدمار الذي تعرض له في النضال ضد «اليابان» وفي الحرب الأهلية، سجل معدلات نمو قوي.
وتمكنت الصين في عهد الزعيم الصيني الراحل دنغ شياو بينغ ومن خلفوه، من توسيع انفتاحها على الاقتصاد العالمي لأقصى حد، واستطاعت من خلال معدلات ادخار واستثمار بالغة الارتفاع أن تطور ناتجها وصادراتها اعتمادا على الطلب الخارجي والداخلي وعلى القبول بمعدلات ربح معتدلة كآلية لدعم القدرة التنافسية، وعلى تخفيض سعر العملة الصينية لدعم الصادرات مع وجود إنتاج هائل قابل للتصدير، وأيضاً لزيادة جاذبية السوق الصينية للاستثمارات والسياحة الأجنبية. كما استطاعت جذب استثمارات أجنبية كبيرة وخاصة في الصناعات العالية التقنية مع السيطرة على الحلقة التكنولوجية لكل من يرغب في دخول السوق الصينية الكبيرة. لكنها ظلت معتمدة على ذاتها بالأساس وعلى البحث والتطوير العلميين وتحديث الاقتصاد والمجتمع بالاعتماد على الذات وعلى شركات الدولة الصينية مع تشديد إجراءات المراقبة لقيادات القطاع العام الصيني لمنع ومكافحة الفساد.
كان الزعيم الصيني دنغ شياو بينغ واضحاً في توجهه بأن الصين «يجب أن تحصل على تكنولوجيا وأجهزة جديدة من البلدان الأخرى وتوسع من وارداتها وصادراتها»، مع استمرار المؤسسات العلمية الصينية في تعزيز «أعمال البحث العلمي التي تجريها المؤسسات وهذه وسيلة كبيرة الأهمية لتنمية الصناعة بإحراز نتائج أعظم وأسرع وأفضل وأكثر اقتصاداً» معتبرا أن «تطوير العلوم والتكنولوجيا هو المفتاح لتحقيق التحديث»، ومؤكداً أهمية تحقيق ثنائية الاندماج في الاقتصاد العالمي والاعتماد على الذات لبناء نموذج التنمية الصينية
ونظرا لأن الصين لم توقع نفسها في أزمة مديونية خارجية، فإنها استطاعت التمسك بالدور القيادي للقطاع العام أو شركات الدولة في الاقتصاد عموماً وخاصة في الصناعات الاستخراجية والتحويلية. ولم تخضع للابتزاز الغربي وابتزاز مؤسسات صندوق النقد والبنك الدوليين في هذا الشأن، وهو ما مكنها من الحفاظ على نموذجها الاشتراكي حتى الآن.
الصين دخلت أسواق البلدان الأخرى بصورة سلمية تعاونية، اعتمادا على قدرتها التنافسية وليس على القوة أو الاحتلال والهيمنة كما فعلت الإمبراطوريات الغربية. وسجل الاقتصاد الصيني منذ عام 1980 نمواً هائلاً تجاوز 10 بالمئة سنوياً في المتوسط على مدار أكثر من ثلاثة عقود وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي. وتراجع المعدل ليتراوح بين 6.5 بالمئة و7.5 بالمئة بعد عام 2014 بعد أن حقق الاقتصاد الصيني النهوض الشامل في كل المجالات.
وتقدمت الصين لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم وفقاً للناتج المقدر بالدولار الأميركي ووفقاً لسعر الصرف، ولتصبح أكبر اقتصاد في العالم وفقاً للناتج المقدر بالدولار الأميركي وفقاً لتعادل القوى الشرائية بين الدولار الأميركي واليوان، فضلاً عن كونها أكبر دولة مصدرة للسلع العادية والعالية التقنية منذ 12 عاماً.
ومنذ انفجار الأزمة المالية والاقتصادية الأميركية والعالمية عام 2008 وحتى الآن، قام الاقتصاد الصيني وما زال يقوم بدور القاطرة التي تجر الاقتصاد العالمي للخروج من الأزمة استنادا على الفوائض التجارية الهائلة التي راكمتها الصين على مدار ربع قرن، والتي انطلقت منها الصين في تغذية الاقتصاد العالمي باستثمارات عملاقة خارج الصين.
العلاقات السورية الصينية امتازت على الدوام بمتانتها على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية، رسخها موقف الصين الداعم لسورية خلال الأزمة ووقوفها إلى جانبها ضد الإرهاب، ترجمت بكين موقفها عملياً في مجلس الأمن باستخدامها حق النقض الفيتو في وجه القرارات التي تنتهك السيادة السورية وتدعم الإرهاب.
وكان للصين موقفها المبدئي تجاه الحل السياسي ورفض التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للدول وأن الشعب السوري هو من يقرر مستقبل بلاده.
علاقات البلدين تميزت بتحقيق المنفعة المتبادلة، وفي هذا الإطار جاءت المبادرة الإستراتيجية التي طرحتها القيادة السورية من أجل التوجه نحو الشرق متوافقة مع المبادرة الصينية «حزام واحد وطريق واحد» التي طرحتها القيادة الصينية في عام 2013.
الصين أكدت أهمية المشاركة بإعادة إعمار ما دمره الإرهاب في سورية مع عودة الأمان إليها ومن دون شروط مسبقة، وشددت على أهمية تعزيز التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين.
شكلت زيارة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية والمغتربين قبل أشهر للصين، نقلة نوعية جديدة في العلاقات التي وصفها الجانبان الصيني والسوري بأنها علاقات إستراتيجية، وأكدا حرصهما على ترجمة هذا التطور على الأرض وهو ما يجري عملياً اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن