قضايا وآراء

إسرائيل «قلقة» من إمكانية أن تنتج روسيا «واقعاً جديداً» في المنطقة

مأمون الحسيني :

كل ما حمله بنيامين نتنياهو في زيارته الأخيرة لموسكو، والتي اعتبرها بعض المعلقين الإسرائيليين «لدغة» لواشنطن التي سبق أن خذلت تل أبيب في الاتفاق النووي مع إيران، كان بضاعة مزوَرة وفاسدة لا يمكن تسويقها لدى سيد الكرملين الذي أحدثت سياساته الحازمة والجريئة تغييرات بنيوية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، كان أحد أهم تجلياتها إنهاء التفرد الأميركي بمصير وشؤون الجوار الإقليمي ومنطقة الشرق الأوسط. ولعلنا لا نغالي إذا اعتبرنا أن ما عاد به رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي بذل كل ما في وسعه للتحايل على الروس، وإقناعهم بجدَية مخاوف تل أبيب إزاء تطورات المشهد السوري: «شنّ عمليات ضد إسرائيل انطلاقاً من سورية، ونقل أسلحة كاسرة للتوازن إلى «حزب الله»، أو انزلاقها إلى منظمات إرهابية»! وضرورة تنسيق النشاطات الجوية مع الروس فوق السماء السورية، بهدف منع الاحتكاك بين الجيشين، لم يخفف، ولو بمقدار بوصة، من وطأة القلق الإسرائيلي من مفاعيل وتداعيات الدخول الروسي المباشر على خط الأزمة السورية، وعلى المعادلات القائمة في المنطقة.
ما يخيف نتنياهو الذي فنَد القيصر الروسي كل مزاعمه المتعلقة بفتح جبهة جديدة في الجولان، وإمكانية تسريب الأسلحة الروسية لـ«حزب الله» الذي تعتبره موسكو حليفا أصيلا، لا بل ما يخيف جميع الإسرائيليين الذين تبيَنوا ترهل وعجز حلفائهم الأميركيين وطعنهم الحلفاء في السر والعلن، يتجاوز العناوين والحيثيات المتناقضة المعلنة، ولا يقف عند مسألة السلاح «الكاسر للتوازن» وإمكانية وصول جزء منه إلى المقاومة اللبنانية، أو الاحتكاك العسكري الافتراضي مع الروس، وهو بالمناسبة طرح وقح ومراوغ ومتناقض لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال، لأنه يعطي لإسرائيل حق التدخل في سورية، ويفترض التنسيق بين من سيواجه ويقاتل الإرهاب، ومن يدعمه ويتدخل عسكرياً لمساعدته. ما يخيف نتنياهو والإسرائيليين يتصل بالتطورات السورية نفسها ومصيرها والتحول فيها باتجاه تثبيت وتعزيز موقع أعداء إسرائيل، ويتمحور، وكما أوضح مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء الإسرائيلي يوسي كوهين، حول الخشية من أن «تنتج روسيا في المنطقة واقعا جديداً لم يكن قائما في الشرق الأوسط منذ عشرات السنوات». أي بكلام آخر، لن تتوقف الخسارة الإستراتيجية الإسرائيلية عند تبخر الأحلام باستكمال عملية تدمير سورية التي تشكل واسطة العقد في محور المقاومة، وتلاشي الآمال بإسقاط المنطقة برمتها في مستنقع التفتيت والتقسيم، وإنما تتعدى ذلك إلى فقدان الدعم الدولي اللا محدود الذي تمتعت به للدولة العبرية طوال العقود الماضية، وعودتها إلى مربع الثكنة الوظيفية التي تتحول بالتدريج إلى عبء على الجميع.
أما بخصوص الترجمة العملية المباشرة لهذه المتغيرات التراكمية التي ستنتج واقعا جديداً من شأنه إعادة إنتاج هواجس الوجود لدى الإسرائيليين، فالمرجح أن تتجسد، وفق تقديرات تل أبيب، برفع مستوى التنسيق والتعاون المباشر والميداني، بين الروس والإيرانيين والجيش السوري و«حزب الله»، في القادم من الأيام، ما يعني أنه، في مقابل ضعف إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي يضع إسرائيل حاليا، وكما يقول المحللون الإسرائيليون، أمام وضع «إشكالي»، ثمة إمكانات عسكرية وتقنية هائلة قد تتوافر لجبهة أعدائها، إضافة إلى أن الاندفاعة الروسية في مواجهة الإرهاب في سورية، والتي تبدي واشنطن، علنا، «تفهما» لها، ستشكل قفزة واسعة باتجاه بناء تحالف مع دول عربية عديدة كمصر والجزائر والعراق، إضافة إلى سورية وإيران و«حزب الله»، وهو حلف أقوى من الحلف الأميركي الذي بدأ في الانهيار بعد «اتفاق فيينا» النووي، ما يفرض على إسرائيل التعايش مع الواقع الجديد، ومحاولة الحدّ من تداعياته السلبية على المستويات كافة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن