من دفتر الوطن

من كان منكم بلا قناع!!

| عبد الفتاح العوض

في كل أدبياتنا كثير من الهجاء لذوي الوجهين وقلما لذوي الأقنعة أيضاً، وصرنا نلمس أن تعبير «ذوي الوجهين» لم يعد صالحاً، صرنا نلاحظ ونشاهد تعدد الوجوه والألسنة.
كل هذا يندرج تحت عنوان النفاق الاجتماعي، وهو أمر مألوف في المجتمعات قديماً وحديثاً، وإن كان يكثر في المجتمعات المريضة والفقيرة والمتخلفة.
دعونا نقرأ المسألة من زاوية أخرى.. وتبدأ من سؤال: هل الأقنعة التي نرتديها هي خيار أم اضطرار؟!
أستعين الآن بعالم نفس معروف لكم جميعاً اسمه كارل يونغ، الرجل يقول: يلزم المجتمع كلاً منا أن يقوم بدور اجتماعي مخصص له، وظيفتنا أن نقوم بهذا الدور على أجزاء وهذه الأجزاء هي «الأقنعة» التي يرتديها الممثل على خشبة المسرح.
الفكرة تصبح أوضح بهذه العبارة: «على المرء أن يظهر بقناع أو بآخر إذا كان ينشد القيام بدوره اجتماعياً».
استعنت بعالم نفس معروف كي لا تبدو الفكرة صادقة أو كي لا تبدو كما لو كانت تبريراً للأقنعة بل أسوقها هنا تفسيراً لما نراه ونلمسه في المجتمع.
المعنى الذي يفسر لماذا الإنسان يتنقل من قناع إلى آخر، فالمسألة كما تبدو لأنه ينتقل من دور إلى آخر.
الذين يعتقدون أن ارتداء قناع أمر سهل هم على خطأ، كيف تستطيع أن تذهب إلى حفلة وفي قلبك أحزان العالم، أي جهد ستبذله كي تخفي هذه الأحزان و«الدور» المطلوب منك أن تشارك الفرح.
الإنسان الطبيعي يجد صعوبة وهو يقوم بارتداء الأقنعة وليس لدى الجميع القدرة على تبديل الأقنعة فهذا يعتبر من الأعمال الشاقة التي تحتاج إلى جهد نفسي كبير مضنٍ.
إذا حاول كل منا أن يراقب نفسه بعين ثالثة ويلاحظ إن كان فعلاً يقوم بارتداء أقنعة مختلفة خلال يومياته، فما المتوقع أن تريه العين الثالثة المحايدة؟
الذين سيجدون أنهم يبدلون أقنعة حتى وإن كانت قليلة قد يصفون أنفسهم بأنهم يمارسون شيئاً من النفاق.. وإذا أرادوا أن يفسروا ذلك فإن الأمر يتعلق بكم الأدوار «الاجتماعية» المطلوب منك أن تعيشها في «دراما الحياة».
دراما الحياة تعبير ملائم جداً وكلما تعمقت في هذه الحياة فسيكون عليك أن تلعب أدواراً أكثر تعقيداً وصعوبة.. و«نفاقاً»!
السعيد فعلاً من لا تضطره الحياة لأن يقوم بعملية ارتداء الأقنعة سيكون ممتعاً جداً، هذه الحالة من التصالح مع الذات والعيش بدور واحد ووجه واحد وقلب واحد.
ربما ينجح البعض في بناء «حديقة» لنفسه بمشاركة مميزة بأن يكون نفسه على الأقل وهو يعيش في هذه الحديقة الخاصة به، فإلى أولئك الذين لا يمتلكون أقنعة أنتم محظوظون جداً.
ومن كان منكم بلا قناع. فليفخر بوجهه.

أقوال:
– شر الناس عند الله ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.
– عندما يكون الإنسان مثل قطعة النقود بوجهين يقضي عمره متنقلاً في جيوب الناس.
– الحاجة أسر من نوع ثان.
– إذا لم يكن غير الأسنة مركبا فما حيلة المضطر إلا ركوبها.
– اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن