قضايا وآراء

الإرهاب على المقاس الغربي

| تحسين الحلبي

في عام 2004 وبعد احتلال القوات الأميركية والغربية للعراق استغلت القيادة الإسرائيلية الوجود العسكري الأميركي وطلبت من الكونغرس إصدار تشريع لرصد ومحاربة «المعادين للسامية» أي المناهضين والمعادين للاحتلال الإسرائيلي وسياسة التوسع الاستيطاني وبعد صدور التشريع عين الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش أول مسؤول أو مستشار له في عام 2006 وهو غريغ ريكمان لتولي هذه المهمة في الساحة العالمية وبعد الولايات المتحدة انتقلت نفس هذه المهمة إلى الاتحاد الأوروبي وأصبح المكتب الأميركي لمحاربة المعادين للسامية يعقد اجتماعات دورية مع المكتب الأوروبي الذي تولت رئاسته كاترين فون شنورباين باسم المنسقة الأوروبية عام 2015 لمحاربة «المعادين للسامية» في أوروبا والعالم، والهدف هو العمل على منع أي احتجاج مدني ضد إسرائيل وسياستها وضد أي مقاطعة عليها.
في عام 2016 أقرت الأمم المتحدة توصيات حددها هذان المكتبان مع الحكومة الإسرائيلية لتعريف «معاداة السامية» أو «التنكر للمحرقة» وأصبح كل من يتهم إسرائيل بالعنصرية ضد الفلسطينيين وبسلب الأراضي المحتلة معرضاً للعقوبة فرداً كان أو دولة لأن التوصيات فرضت محاسبة كل دولة لا تمنع هذه «المظاهر» المعادية للسامية أو المظاهر التي «تنفي قصة المحرقة» التي ترويها الحركة الصهيونية وتفرضها على التاريخ الأوروبي والعالمي.
بل إن أحد المؤتمرات التي استضافتها تل أبيب لممثلين عن هذه المكاتب الأميركية والأوروبية الرسمية عرض خطة لاختيار ممثلين عن «منظمات محاربة المعادين للسامية» في مؤسسات الشرطة الأوروبية وكأنها سلطة عليا بين السلطات الأمنية الأوروبية. وكان مستشار الرئيس الأميركي في ملاحقة «المعادين للسامية» ايلان كار قد قام بزيارة قبل أسابيع قليلة إلى دول أوروبية وأعلن أنه سيقدم تقارير عن كل دولة تسمح بمعاداة السامية فيها لكي تقوم الإدارة الأميركية بفرض العقوبات والحظر على العلاقات معها.
وبهذه الطريقة تصبح إسرائيل والممثلون عن مكاتب «محاربة المعادين للسامية» قادرين على توجيه هذه التهمة لأي دولة عربية تطالب باستعادة أراضيها المحتلة أو حقوقها الوطنية التي سلبتها قوات الاحتلال فالقيادة الإسرائيلية تسعى بعد تدهور قدرتها العسكرية إلى تحويل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى جبهة إسرائيلية في الساحة السياسية والإعلامية ضد مناهضة السياسة الإسرائيلية والمشروع الصهيوني وإذا ما نجح مثل هذا المخطط وتجاوبت معه هذه الدول الغربية فسيصبح كل من يعترض ويناهض الكيان العنصري الإسرائيلي متهماً بالإرهاب وبمعاداة السامية وهذا ما تريد تحقيقه إسرائيل لتثبيت احتلالها وللمحافظة على مشروعها الصهيوني وتوسيع هيمنتها على المنطقة والعالم العربي وإرهاب كل من يقف إلى جانب الحقوق الفلسطينية والعربية في أوروبا وأميركا والعالم، لكنه على الرغم من كل هذه النشاطات الصهيونية الغربية وأدواتها السياسية والإعلامية لاحظ الكثيرون أن معظم دول آسيا وإفريقيا إن لم يكن جميعها ما زال يقف مع العرب في مناهضة الاحتلال الإسرائيلي وربما كان أبرز ما لاحظه الإسرائيليون وجنّ جنونهم منه هو خطاب الرئيس الماليزي في 29 أيلول الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي قال فيه: «إن إسرائيل هي أصل الإرهاب الحديث في العالم وهي تخرق كل القوانين والمعايير في العالم ومازال الغرب يدافع عنها وهذا يعني عدم وجود عدالة في هذا العالم» وأضاف الرئيس الماليزي مهاتير محمد: «إن إنشاء إسرائيل عن طريق احتلالها لأراضي فلسطين بعد طرد 90 بالمئة من الفلسطينيين من أراضيهم هو أساس الإرهاب».
وإذا كانت الحركة الصهيونية وإسرائيل تقومان بتأسيس منظمات تحت شعار «محاربة المعادين للسامية» بدعم وسلطة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فإن العرب قادرون أيضاً وإن أصبح الوقت متأخراً، على تأسيس منظمات لحماية حقوق العرب في فلسطين ومقدساتها الإسلامية والمسيحية وفرض العقوبات على كل من يتنكر لهذه الحقوق ويصطف إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي وسياساته في المنطقة والجميع يلاحظ أن المنظمات المدنية غير الحكومية التي تؤيد الحقوق الفلسطينية وتناهض السياسات الإسرائيلية بدأ يزداد عددها وهي تتصدى في أوروبا والولايات المتحدة لكل الحملات الهادفة إلى عزلها من دون أن نقدم لها الدعم والتأييد فإسرائيل تستضيف في تل أبيب مؤتمرات لمنظمات «محاربة المعادين للسامية» وتضع معها الخطط ولا أحد في عالمنا العربي فكر بعقد ندوة وليس مؤتمراً للمنظمات التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل وبضائعها في العالم فهل تستطيع الجامعة العربية عقد مؤتمر لمثل هذه المنظمات الأجنبية؟
بل أليس من حق منظمة التحرير الفلسطينية دعوة الجامعة العربية لرعاية مؤتمر للمنظمات الأوروبية غير الحكومية في أي بلد عربي أم هل سنطلب من الرئيس الماليزي مهاتير محمد استضافة مثل هذا المؤتمر؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن