ثقافة وفن

«التباس».. كوميديا في زمن الحرب

| جورج ابراهيم شويط

عوّدنا المسرحُ القومي باللاذقية، وعلى مدى مواسم خلت،على تقديم أعمال مسرحية متنوعة وشائقة، أكسبته جمهوراً عريضاً، متابعاً لكل أعماله، وآخر هذه الأعمال، المسرحية الكوميدية (التباس)، عن نص للكاتب الإيطالي(داريو فو)، الحائز جائزةَ نوبل للآداب 1997، وبتوقيع المخرج سلمان شريبة.

(التباس) نص يسلط الضوءَ على عدة جوانب، من حياتنا الاجتماعية والأسرية، وبشكل أدق زيف العلاقات الزوجية، وارتباطها بتسارع نبض الحياة وتشابكها، ما أدى لظهور حالات من الخلل في بعض العلاقات، وخاصة إذا ما دخلت في حياكة نسيجها خيوط المادية، لطبقة مخملية، طفت على سطح المجتمع، تبحث بأنانية عن متعها وملذاتها، في أي مكان وفي أي زمان كان، ولها كل المكان وكل الزمان، في مرحلة مادية/ مادية بامتياز..المهم سعادتها العليا.. أيضاً ثمة طبقة أخرى، تبحث هي الأخرى، عن أسباب عيشها ومعيشتها . وضغط فقرها يدفعها دفعاً للحصول على لقمة عيشها، بأي طريقة ومنها الطرق الملتوية.
خلال 50 دقيقة، هي مدة العرض، تابع الجمهور أحداث المسرحية، كفرجة ممتعة، تلقى خلالها قفشاتٍ كوميدية ذكية، ترجمها الحضور ضحكاتٍ، كان نجمها حسين عباس، وباقي أعضاء الفرقة.
المخرج شريبة أشاد بالنص الذي حفل بكوميديا، حاكها المؤلف بطريقة كاريكاتورية محكمة جاذبة، طرح في سياقها عدداً من الأخلاقيات الاجتماعية والسلوكيات المختلفة، التي يرفضها المجتمع، لكنها، للأسف، موجودة في أي مجتمع، في الغرب، كما في الشرق، وقارن بين أخلاقيات مَن يملك الموقع والمال، وطبقة الناس المسحوقين، الذين تدفعهم الحاجة لأن يحصّلوا رزقهم بأي وسيلة، على مبدأ الغاية تبرّر الوسيلة.. كذلك فإنّ بعضَ هذه العادات والسلوكيات، والتي وفدت من الغرب، وهي غريبة عن مجتمعنا الشرقي وقيمه وأخلاقياته المغروسة فطرياً، في وعيه الجمعي، بعض هذه العادات، للأسف انتشرت في مجتمعنا بشكل واضح وملموس، وذلك في زمن هو زمن العولمة المتغول.. العرض قام بتعرية هذه السلوكيات والآفات والعيوب المجتمعية، وذلك كمن يضع الإصبع على مكمن الجرح بغية علاجه.
الفنان حسين عباس، الذي أعطى للعرض نكهة كوميدية خاصة، من خلال قفشات عفوية ومرتجلة، أمتعت وأضحكت الجمهور طوال مدة العرض، أكد أنّ اختيار النص جاء من خلال قراءة جماعية، من أعضاء الفرقة، لعدة نصوص، وتم اختيار (التباس)، حين وجدناه قريباً من الناس، ويحمل اللمسة الكوميدية اللطيفة، مع التأكيد على حاجتنا، جميعاً، للابتسام وللضحك.. وما أحوجنا، في زمن الحرب البشع، لهذا الترف المجاني.
وهو (العرض) فسحة جميلة للمشاهد، وحتى لنا كممثلين، لنقفز (جميعاً) نحو الضفة الأجمل من الحياة، الآتية بأغمار السعادة والفرح والحب.
الديكور نصف العمل المسرحي، وأهميته تنبع من كونه يؤدي الغرض، للوصول إلى عمق وجوهر العمل، المراد إيصاله بصرياً للمتلقي، هذا ما أشار إليه الفنان والنحات حسن حلبي، مصمّم الديكور، الذي سبق له أن أنجز أربعة ديكورات لمسرحيات سابقة، وهو من الفنانين المعروفين، الذين لهم مشاركات في معارض عربية وعالمية.. وعن كيفية صياغة ديكور لأي عمل، أشار إلى أنه بعد قراءته للسيناريو، وحضوره معظم البروفات، ومراقبته لحركة الممثلين على الخشبة، ولإيقاع الموسيقا والإضاءة واللباس، حينها يقوم بإسقاط كل ذلك على (ماكيت) العمل، بشكله شبه النهائي، مع بعض التغييرات الطارئة، وصولاً للصيغة النهائية، التي يتم اعتمادها للديكور.
ورغم أن النص غربي، لكنه أعطى صبغة محلية له ليلائم مجريات أحداثه، في البيئة المحلية التي تخصنا.
كما جاءت الإضاءة للفنان غزوان إبراهيم ضمن لغة فنية بصرية، شكلت جواً درامياً، له دلالته الزمانية والمكانية، وساعدت الممثلين على التعبير، بين انفعال وتوتر وهدوء وفرفشة وحب ومرح، إضافة إلى أنها عملتْ على خلق مكانين مختلفين، ضمن المشهد الواحد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن