قضايا وآراء

أردوغان والهروب إلى الخارج

| د. قحطان السيوفي

المشهد السياسي التركي الحالي يشير إلى أزمة حكم داخلية يعيشها نظام أردوغان الاستبدادي، انشقاق في قيادات حزب العدالة والتنمية، الذي فاز بنسبة 52.6 في المئة في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، وخسر في الانتخابات البلدية الأخيرة في المدن الرئيسية، وهذا مؤشر على إمكانية تغير المعادلة السياسية في تركيا بشكل جذري.
بعد ثلاثة أعوام على استقالة رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو الساعد الأيمن لأردوغان من منصبه، خرج عن صمته مُنتقداً حزب العدالة والتنمية، محذراً من أنه لا يمكن التخلي عن الحزب والبلاد إلى «مجموعة ضيقة تسعى لتحقيق مصالحها وأصبحت عبيداً لطموحاتها».
في أيلول الماضي، انسحب أوغلو من حزب العدالة والتنمية ومعه عدة وزراء سابقين. يقود أوغلو أحد تيارين يعتزمان تشكيل حزب جديد لتحدي أردوغان، التيار الثاني يقوده وزير الاقتصاد السابق ونائب رئيس الوزراء علي باباجان، ويدعمه الرئيس السابق عبد اللـه جول. الانشقاق سيسبب شرخاً غير مسبوق في صفوف حزب العدالة والتنمية، ويُضعف هيمنة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المسرح السياسي لمدة 17 عاماً. بدا القلق المتزايد من تكتيكات أردوغان القمعية المتزايدة تجاه المعارضين، وخطابه الاستبدادي القاسي، وسوء الإدارة الاقتصادية، وتجاهل حكم القانون، وعدم رغبته في سماع أي رأي آخر. يقول خبير استطلاعات الرأي التركي إبراهيم أوغلو: الأحزاب الجديدة هي الديناميكية الأكثر أهمية في السياسة التركية من الآن فصاعداً. من التحديات التي واجهها أردوغان أن صهره الذي كان مسؤولاً عن الاقتصاد، براءة البيرق، أصبح مصدراً للانتقادات داخل الحزب. أدت المواجهات بين البيرق وأوغلو إلى تسريع رحيل هذا الأخير، إضافة إلى خلافات بيرق مع وزيري الداخلية والعدل.
يرى كثيرون في حزب العدالة والتنمية في البيرق، قوة تآكل في الحزب الحاكم، ويشعرون بالاستياء من تأثيره الذي يمتد كثيراً إلى ما هو أبعد من منصبه كوزير للخزانة والمالية. يقول أحد الوزراء السابقين: فقد الحزب ضوابطه وتوازناته الداخلية. الآن أصبح مجرد رجل واحد. كانت الهزيمة مؤلمة ومدوية لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية في إسطنبول، عاقبه الناخبون بسبب الانكماش الاقتصادي المميت. عندما استقال باباجان من الحزب قال: في الأعوام الأخيرة، ظهرت خلافات عميقة بين السياسات المتبعة وبين مبادئي وقيمي وأفكاري، مضيفاً: إن تركيا بحاجة إلى رؤية جديدة تماماً. باباجان وأوغلو يستهدفان جماهير مختلفة. أوغلو يحاول جذب أكثر الفئات محافظة من السكان، على حين باباجان ينشد «حزب العدالة والتنمية المعولم» أو «البرجوازية». أي إنهما أسلوبان مختلفان. باباجان، الذي يُنظر إليه كرائد للأوقات الجيدة في البلاد. على حين يرتبط أوغلو بنهج تركيا التدخلي في الحرب في سورية وانعكاساتها السلبية. الكثير من المحللين يرون أنه من الصعوبة على الشعب التركي انتظار أربعة أعوام حتى الانتخابات التالية. بعد أن خاض 14 انتخاباً أو استفتاء على مدار الأعوام الـ12 الماضية. أحد أكبر الأسئلة التي تواجه الفصائل المنشقة من حزب العدالة والتنمية بقيادة أوغلو وباباجان، هو ما إذا كان أي منهما على استعداد للعمل مع أحزاب المعارضة الأخرى أم لا، وإذا كانت المعارضة ستقبلهم.
كان التحالف عاملاً رئيساً في انتصارات المعارضة في إسطنبول وأنقرة وغيرهما من المدن الكبرى في الانتخابات المحلية في آذار الماضي وهو تحالف انتقائي يجمع بين حزب علماني قوي وحزب إسلامي متشدد، وجماعة قومية يمينية ومنظمة يسارية تركز على حقوق الأكراد، ما يوحدهم معارضتهم لأردوغان. يعتقد معظم المحللين أن رئيس بلدية مدينة إسطنبول أكرم أمام أوغلو، هو الخيار الوحيد المعقول للرئاسة التركية في ظلّ نتائج الانتخابات الأخيرة، دُقّ ناقوس الخطر على أردوغان في النظام الرئاسي الجديد، مركز الثقل انتقل إلى رئاسة الجمهورية، حيث يتطلب انتخاب رئيس جديد للجمهورية حصوله على نصف عدد المقترعين زائداً كسراً بالمئة. وهذا يعني أن رئيس الجمهورية يُتطلّب منه بذل جهود مضاعفة لكي يكسب كتلة ناخبة خارج قواعد حزبه. وهو ما حصل مع أردوغان، عندما دخل انتخابات الرئاسة في عام 2018 متحالفاً مع حزب «الحركة القومية». وقد نال أردوغان حينها 52.38 بالمئة. الفارق في التصويت على أساس الـ50 بالمئة تقاربت النتائج إلى حدّ باتت معه احتمالات المفاجآت وانقلاب موازين القوى واردة جداً لدى أقل تغيير في المزاج الشعبي ولدى نسبة لا تتعدى الواحد أو الإثنين بالمئة. وجاءت الانتخابات البلدية في نهاية آذار الماضي لتقدم مثالاً إضافياً إلى هذه الاحتمالات. كانت الهزيمة الثقيلة لحزب «العدالة والتنمية» في معظم المدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة ووصل الفارق في انتخابات إسطنبول الإعادة لينال أمام أوغلو 53 بالمئة من الأصوات. في ظلّ هذه النتائج، دُقّ ناقوس الخطر على الرئيس التركي نفسه، الذي بات يواجه مزاجاً شعبياً متبدّلاً. إن الفترة التي تفصل تركيا عن انتخابات الرئاسة المقبلة في عام 2023 لا تزال طويلة جداً، في بلد يشهد دينامية كبيرة وصراعات عميقة وتنوعاً سياسياً. مع هذا، فإن الكثير من القوى يتعاطى منذ الآن على قاعدة التحسب للمفاجآت، ومن ذلك إجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل موعدها قد تفرضها حسابات انتخابية لأردوغان أو ظروف سياسية واجتماعية ضاغطة. يراهن أردوغان على عامل الوقت، ويسعى واهما إلى تحشيد الأوراق ومحاولة حلّ المشكلات التي يتذمّر منها المواطنون. ومن هنا، نفهم عزفه على الوتر القومي عندما يهدد باجتياح منطقة شرقي الفرات وإبعاد «الخطر الكردي»، وأردوغان يعتقد بأن احتلال منطقة شرقي الفرات في سورية وإقامة «منطقة آمنة» سوف يساعد في حلّ المشكلة بإسكان أكثر من مليونَي لاجئ سوري هناك، فيخفف عن ظهره أحد عوامل تذمر الناخب التركي منه. كما يخشى أردوغان المزيد من انتصارات الجيش العربي السوري بعد تحرير خان شيخون واستعادة إدلب كاملة واستكماله تحرير باقي المناطق، وصولاً إلى الحدود التركية. يسعى أردوغان في اللعب على حبال الابتزاز غرباً وشرقاً، غير أن ما خرج قبل أيام على لسان القيادي والوزير السابق في حزب «العدالة والتنمية»، فاروق تشيليك، قد يكون معبّراً بكثافة عن المأزق الذي يجد أردوغان لاحقاً نفسه فيه. فقد اقترح تشيليك خفض نسبة الفوز المطلوبة للمرشح لرئاسة الجمهورية في الدورة الأولى إلى 40 بالمئة بدلاً من 50 بالمئة. هذا الاقتراح كان وراءه ضمناً أردوغان. الذي قال: إذا جاء الاقتراح من المعارضة فإننا منفتحون على نقاشه، لكن رئيس البرلمان، وهو من حزب «العدالة والتنمية»، رفض الاقتراح، في لعبة توزيع الأدوار مع أردوغان، فسّرت المعارضة الاقتراح بأنه دليل على تراجع قوة حزب «العدالة والتنمية» إلى دون الـ40 بالمئة. أحد المنشقين خاطب، في تغريدة، أردوغان بأنه «حتى الـ40 بالمئة لن تكفيك»، ساخراً منه باقتراح إضافة شروط جديدة إلى المرشح للرئاسة مثل أن تكون قامته أطول من 185 سم، وأن يكون ذكراً وله شارب، وأن يجعل من صهره وزيراً!
أردوغان يواجه أزمة داخل حزبه، وصعوبات اقتصادية، إضافة إلى مشاكل الأكراد، ودعمه للإرهاب في سورية، واللعب خارجياً على حبال الابتزاز السياسي، السلطان العثماني يريد الهروب من أزمته الداخلية إلى الخارج وذلك يؤكد أن زخم أردوغان في تراجع وضمور.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن