قضايا وآراء

العدوان التركي والسيناريوهات الأميركية

| رزوق الغاوي

ثمة مفارقة ذات أبعاد خطيرة تتناقض منطقياً وموضوعياً مع ما يصدر من تصريحات ومواقف عن الرئيسين التركي رجب أردوغان والأميركي دونالد ترامب والتي يزعم فيها الأول أن الهدف من التوغل في الأراضي السورية هو الحفاظ على وحدتها! فيما يزعم الثاني أن سحب قواته من سورية يتم بعد انتهاء مهمتها فيها، تاركاً أداته ميليشيا «قوات سورية الديمقراطية – قسد» تواجه مصيرها على يد عشرات الآلاف من تنظيم داعش الذي تدّعي واشنطن إجهازها عليه في حين توفر له الآن الغطاء للقيام بدور جديد ضد «قسد» يخدم الهدف التركي للنيل منها، في محاولة أميركية جديدة لخلط الأوراق على الساحة السورية، ما يعني وجود سيناريو أميركي جديد يخدم أهداف الحليفين الأطلسيين الأميركي والتركي.
وعلى عكس ما يعتقد البعض أن ثمة تبايناً في موقفي أنقرة وواشنطن من آخر تطورات الوضع في شمال سورية وشرقها، فإن ما بات واضحاً هو أن العدوان التركي على سورية الذي يتم بمباركة أميركية أكدتها مستشارة الرئيس التركي جلنار ايبت حين كشفت النقاب عن أن رجب طيب أردوغان تفاهم مع نظيره الأميركي دونالد ترامب حول طبيعة وأهداف العمليات التي أطلقتها أنقرة في شمال سورية تحت اسم «نبع السلام»، حيث اعتُبِرَ الانسحاب الأميركي بمثابة ضوء أخضر لعدوان تركي على سورية يهدف إلى تحقيق أمرين، أولهما القضاء على الأكراد السوريين، وثانيهما احتلال المزيد من الأراضي السورية ومحاولة بسط السيطرة العثمانية عليها.
كما بات واضحاً، تبحث واشنطن عن مخرج من المستنقع الذي أوقعت نفسها في دوامته ملقية بتداعيات وتبعات سياستها الرعناء على أتباعها وأدواتها المحليين، حيث انسحبت وأخلت الساحة شمال شرق سورية للأتراك ولتنظيم داعش للفتك بالأكراد وبقوات سورية الديمقراطية، وبذلك تُعطي واشنطن «دون إرادتها» درساً جديداً لكل من يفكر يوماً بأن يثق مستقبلاً بالولايات المتحدة الأميركية وبسياستها العدوانية وبصداقتها الانتهازية المزيفة.
قرار ترامب سحب قواته من الشرق الشمالي السوري قوبل باستنكار إسرائيلي وامتعاض أعضاء ديمقراطيين وجمهوريين في الكونغرس، وصفوا قرار ترامب بأنه قرار غير ذكي لأنه يهيئ الأجواء لعودة داعش في ضوء عدم قدرة قسد على مواجهة هذا التنظيم الإرهابي لافتين إلى أن التغطية الأميركية للهجوم التركي على الأكراد يُفقِد واشنطن الثقة بها كشريك جراء تخليها عن الأكراد واستذكار تخليها سابقاً وعلى سبيل المثال لا الحصر عن عملائها في كل من فيتنام وأفغانستان وبنما وإيران وغيرها من دول العالم، ما يهدد حسب أعضاء في الكونغرس الإستراتيجية الأميركية للانهيار في منطقة شرق المتوسط، في حين رأى نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون الشرق الأوسط مايكل مولروي أن بلاده لا يمكن أن تنفّذ إستراتيجيتها في سورية من دون شركاء مثل «قسد» وإلا عليها إعادة جنودها إلى سورية.
في موازاة ذلك دعا خبراء في السياسة الخارجية الأميركية الرئيس ترامب وبدلاً من الانسحاب العسكري من سورية الاستمرار في ممارسة الضغوط على سورية وفرض المزيد من العقوبات عليها بغية إجبارها على العودة للحوار في جنيف وليس في أستانا وسوتشي، ما يعني العودة إلى المربع الأول في الأزمة السورية، وفي هذا السياق يقول جويل رايبرن: إن الهجوم التركي في شمال شرق سورية لن يشكل كارثة بالنسبة إلى المنطقة وحسب، بل إنه يقدم «هدية لأعداء أميركا».
أما استنكار تل أبيب لفرار ترامب وتعاطفها مع قسد فقد تمثل بموقف بنيامين نتنياهو الذي اندرج في إطار الرهان الصهيوني التقليدي على الورقة الكردية كخيار تقسيمي للبيئة الإقليمية يعزّز الموقع الإستراتيجي الإسرائيلي في المنطقة، ولم يستغرب المتابعون لتطورات الموقف شمال شرق سورية خيبة الأمل التي عكست ردود الفعل الإسرائيلية والقلق إزاء تخلّي واشنطن عن حليفها الكردي، وتداعيات ما يجري على الساحتين السورية والإقليمية، ما حدا بمئة ضابط احتياط إسرائيلي لتوجيه رسالة إلى نتنياهو دعوه فيها إلى عدم اتخاذ موقف المتفرّج بل اتخاذ موقف عملي ينطلق من إدراك تل أبيب أن مشاريع تقسيم المنطقة تتطلب احتضاناً إقليمياً ودولياً غير متوفر حتى الآن، وأكد الضباط المئة حاجة الكيان الصهيوني إلى النفوذ الأميركي في ضوء تصاعد قوة محور المقاومة الذي يزداد ترابطاً وتلاحماً وينبغي اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد من اندفاعته.
يمكن القول إن العدوان التركي على سورية، قد يكون أحد السيناريوهات الأميركية الموجهة ضدها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن