قضايا وآراء

أردوغان والعرب وميزان القوى

| تحسين الحلبي

قد يكون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وضع حساباته الخاصة عندما شن عدوانه على سيادة سورية وأمر جيشه باختراق الحدود، لكنه سيكتشف قريباً أنه أخطأ كثيراً في هذه الحسابات لأنه سيكون قد تغاضى أو لم يعط أهمية لعدد من الحقائق.
أولاً: إن سورية بقيادتها وجيشها وشعبها تتمتع بقوة إرادة لم تجرؤ الولايات المتحدة على امتحانها عام 2013 حين اتخذ الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما قراراً بشن حرب شاملة على سورية وحدد ساعة الصفر لها ثم تراجع ولم يستطع منع الجيش السوري من استكمال مهمته بتطهير الإرهاب وحلفائه. وسورية لديها في شمال وشمال شرقها وعند حدودها الشمالية مصادر قوة محلية وإقليمية قادرة في اللحظة المناسبة على تصفية مخططاته بكل الوسائل المتوافرة. كما أن ميزان القوى المحلي في تلك المنطقة ستتزايد عوامل قوته بعد أن ثبت لجميع مكونات الشعب السوري في الشمال أن الأمن والمستقبل لا يحققهما إلا القيادة السورية والجيش السوري للشعب كله، فوجود الوحدات الأميركية الداعمة لبعض قادة أكراد سورية وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة ومنحه الضوء الأخضر لأردوغان لاجتياح تلك المنطقة أسقط جزءاً كبيراً من المؤامرة التي راهن عليها بعض قادة أكراد سورية لحماية مصالحهم، وزاد في قناعة الجميع من أفراد الشعب هناك بأن لعبة أردوغان ترامب مشتركة وليست كما صور لهم بعض الموالين للولايات المتحدة في شمال شرق سورية.
ثانياً: إن ميزان قوى حلفاء سورية عند حدود تركيا بدأ يفرض نفسه بشكل علني أكثر في أعقاب هذا العدوان، فقد كشفت نائب مدير برنامج بروكينغز للسياسة الخارجية سوزان مالوني أن «إيران كان موقفها حاداً تجاه العملية العسكرية التركية، فأعلنت عن ذلك بتنديد شديد وألغت زيارة رئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني التي كانت معدة في أيام الهجوم التركي إلى أنقرة، بل ظهر أنها زادت نشاط مناوراتها العسكرية قرب حدود إيران مع تركيا».
وبالمقابل رأى مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي «CSIS» في 10 تشرين الجاري أن سورية وحلفاءها، إيران وروسيا، لديهم أوراق ومبررات كثيرة لتحويل نتائج العملية العسكرية التركية إلى عكس ما يخطط له أردوغان وخاصة بعد تراجع ترامب عن إعطاء أهمية لوجود الوحدات العسكرية الأميركية شرق سورية وتخليه عن قادة أكراد سورية.
ويقول المسؤول السابق لملف الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان: «إن قرار ترامب الذي تخلى فيه عن قادة أكراد سورية سيحمل تأثيره على التوازن السياسي في العراق ولبنان»، وأضاف في رسالة إلى «معهد بروكينغز الأميركي» في 10 تشرين الأول الجاري: إن العملية العسكرية التركية ودور ترامب فيها سيدمر قدرة القوى السياسية المتحالفة مع واشنطن على الدفاع عن المصالح الأميركية في المنطقة، ويستنتج «مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأميركي» أن قرار ترامب بالسماح لأردوغان بغزو تلك المنطقة سيؤدي إلى حتمية انسحاب بقية قواته الأميركية لأنها عجزت عن فرض أهدافها الثلاثة الرئيسة وهي: إجبار القيادة السورية على خطة انتقال السلطة ومنع الوجود الإيراني الداعم لسورية، ولم تحقق أي مكسب من دعم قادة أكراد سورية، وربما تؤكد هذه الاستنتاجات أن لعبة أردوغان مع ترامب ضد سورية وصلت إلى نهايتها ولن يكون بمقدور أردوغان تحقيق أهدافه، وهو يواجه ثلاث قوى إقليمية هي سورية وإيران والعراق التي تقف إلى جانبها قوة دولية هي روسيا، ولو كان أردوغان وضع في حساباته هذه العوامل الموضوعية التي تتناقض مع كل سياساته العدوانية لكان قد تراجع عن هذا العدوان الذي سيؤدي إلى تطورات لن يكون أي منها في مصلحة أهداف هذا العدوان.
من الواضح أن أردوغان كان قد قدم الدعم لجميع التيارات الإسلامية ضد سورية وحلفائها طوال السنوات الثماني، لكنه لن يجد الآن نفس تلك الدول العربية التي تواطأت معه في مختلف أشكال عدوانه على سورية منذ بداية الأزمة، فقد ظهر من كلمات بعض وزراء خارجية هذه الدول في الاجتماع الطارئ الذي عقدته الجامعة العربية أمس أن بعض هذه الدول بدأت تتباكى على ما قدمته من دعم لأردوغان وأعلنت تنديدها هذه المرة بعدوانه على سورية وطالبت بإيقاف هذا العدوان، لكن الشعب السوري الصامد والمقاوم الذي استند إلى ثقته بقيادته وبجيشه وإرادته في تحقيق الانتصار على مئات الآلاف من الإرهابيين، لا يعول على هذه المواقف المعلنة لبعض حكام الدول العربية بقدر ما يعول على الشعوب الشقيقة التي ستفرض عليها العودة إلى الصواب.
ومع ذلك ليس من المستبعد أن يتطلع أردوغان الذي لم يعد يدعمه في استمرار عدوانه من هذه الدول العربية سوى حكام قطر، إلى توظيف مجموعات داعش من جديد وإعادة تسليحها لشن هجماتها على الجيش السوري، ويبدو أن دولاً كثيرة في أوروبا وفي جوار تركيا بدأت تخشى مثل هذه المهمة «الأردوغانية» المتجددة، وهذا ما جعل بعض الدول تعقد قمة لوضع الحسابات المطلوبة في مجابهة أي عملية استخدام لداعش وغيرها من جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن