قضايا وآراء

التاريخ يعيد نفسه

| سهام يوسف

انظروا سادتي وتمعّنوا في الصورتين، الأولى تعود للعام 1915 وهي لجموع السريان والأرمن الفارين من مذابح «سيفو» التي ارتكبتها الجيوش العثمانية بحق الشعبين السرياني والأرمني وما حصل فيها من فظائع وجرائم بحق الإنسانية! والصورة الثانية حديثة العهد عمرها ساعات فقط من العام الحالي 2019 وهي لجموع من السريان وغيرهم من أبناء سورية ممن يقطنون مدن ومناطق وقرى ومزارع الجزيرة السورية الفارين من قذائف وقنابل وصواريخ الجيش التركي ومرتزقته التي طالت بيوتهم وكنائسهم وأرزاقهم، ومن يمعن النظر في الصورتين يجد كم هما متشابهتان والفرق لا يكاد يذكر بينهما ولا يميز الصورة الثانية عن الأولى سوى الألوان الحديثة والطريق الإسفلتي، أما الفاجعة فواحدة، نساء يهربن من وحش الاغتصاب وبقر البطون، وأطفال يفرون من وحش الاستعباد والاستغلال، ورجال يحاولون الإمساك بالأطفال حديثي الولادة، وكبار السن من الآباء والأمهات وبمن أقعدهم المرض أو آلمتهم الجراح، والجميع ينشدون الخلاص والوصول إلى برِّ الأمان.
كما حصل قبل مئة عام ونيّف عندما كان يطاردهم السيف العثماني، كان حلمهم الوصول إلى مناطق الحكومة السورية ليضمنوا حياتهم، ونرى أن الحلم نفسه هذا يتكرر فجموع الفارين يقصدون مناطق وجود القوات السورية لضمان حياتهم وصون كرامتهم.
ما أحب قوله والإشارة إليه هو أن أولئك الذين ساهموا وشاركوا الجيش العثماني في ارتكاب المجازر والفظائع بحق الأرمن والسريان هم أنفسهم من ساهم واستجر الجيش التركي حالياً لدخول الأراضي السورية وتهجير سكان تلك المناطق على هذه الطريقة التي نراها فأي مصادفة هذه وأي تاريخ هذا الذي يعيد نفسه.
إن الشرفاء والأبطال والأوفياء لسورية من السريان والأرمن والكلدان والآشور والأكراد والعرب وغيرهم من السوريين لن يتهاونوا في الدفاع عن تاريخهم وحضارتهم ووطنهم الغالي سورية، وثقتي كبيرة بأن المشروع العثماني القديم الجديد لن يكتب له النجاح وسيفشل، ورئيس النظام التركي رجب أردوغان لن يفلح بالإفلات من أزماته الداخلية المتعددة والمتنوعة وبخاصة الاقتصادية منها، عبر الاحتماء ببوابة رأس العين أو بوادي دجلة ولا في مزارع المالكية ولا في شوارع القامشلي، وسيمنى بالفشل الذريع فالأمل معقود على بسالة جيشنا وعلى شجاعة وحكمة رئيسنا وعلى وحدتنا الوطنية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن