قضايا وآراء

حكاية الدفاع عن النفس في المكاييل الأميركية

| د. يوسف جاد الحق

يقتل وقتما يشاء وأينما يشأ في فلسطين، وفي أي بلد عربي، منذ وجوده «كلقيط» كياناً إجرامياً عنصرياً، مستهتراً بالشرائع السماوية، وبالقوانين الدولية التي اعترفت مؤسساتها بوجوده، من دون وجه حق، شريطة التزامه بمواثيقها، واحترامه لقراراتها، غير أنه خرج عليها جميعها وكأنها لم تكن، من دون أن يحاسبه أحد، ما شجعه على الإيغال في ممارساته الإجرامية على البشر، إضافة إلى اغتصابه أرضهم وديارهم العامرة، وممتلكاتهم كافة، في أعمال سرقة وقرصنة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل ومن بعد، حيث أصبحت اليوم المسألة الفلسطينية حالة فريدة من نوعها في تاريخ البشرية.
ذلك هو الكيان الصهيوني اليهودي التلمودي إسرائيل.
أميركا راعية حقوق الإنسان! الحريصة على المؤسسات الدولية، المتمسكة بالقوانين والأخلاق كما تدعي، تسمي ممارسات الكيان على ذلك أنها دفاع عن النفس!
جرائم عام 1948، وحرب عام 1956، وقتل الأسرى المصريين والفلسطينيين على رمال صحراء سيناء، ودوسهم بالدبابات، وإماتتهم عطشاً ونزفاً حتى الموت، ما هذا كله غير دفاع عن النفس!
مجازر صبرا وشاتيلا وقانا وعيون قارة وجنين والخليل وغزة، وفي انتفاضات الفلسطينيين المتعاقبة التي خلفت كل منها أعداداً هائلة من الضحايا المدنيين، غير المقاتلين والإعدامات المباشرة في شوارع الضفة وغزة وخان يونس، بما في ذلك أطفال المدارس والنساء الحوامل، ذلك كله ليس إلا دفاعاً عن النفس من الكيان الصهيوني. هل نسي العالم محمد الدرّة؟ يصرعه رصاص الجناة وهو يلوذ بحضن أبيه، أم نسي راشيل كوري، الفتاة اليهودية الأميركية تدوسها الجرافة أمام أحد المنازل الفلسطينية، وهي تنظر بعينيها لا تصدق بأن الجاني سوف يدوسها تحت جنازير جرافته، أم تراهم نسوا ما صنعه روبنشتاين صبيحة أحد أيام رمضان عام 1993 بالمصلين في الحرم الإبراهيمي. ذلك كله جرى تحت أعين العالم كله، وأميركا في المقدمة، وكان صنيع إسرائيل، حتى هذا يوصف بأنه دفاع عن النفس، أما روبنشتاين فقد صنع له المستوطنون نصباً يحجون إليه!
عندما قامت سورية تدافع عن نفسها في مواجهة جيوش الإرهاب التي صنعتها وسلحتها ومولتها أميركا نفسها، باعتراف وزيرة خارجيتها السابقة والمرشحة للرئاسة هيلاري كلينتون، والرئيس الحالي دونالد ترامب، لم تعترف لها أميركا بأن ما تقوم به إنما هو دفاع عن النفس! بل هي لم تكتفِ بذلك فراحت تكيل لها الاتهامات الباطلة، وتفرض عليها الحصار والعقوبات، وتدفع بالمزيد من السلاح والرجال والأموال لمنظمات الإرهاب إياها، لكي تواصل مهمتها التي كلفتها بها أميركا وإسرائيل، وفئة من الأعراب الخارجين على أمتهم، إنها مهمة لا إنسانية ولا أخلاقية بكل المقاييس والاعتبارات.
سورية استحقت أن يكافئها العالم، على دورها البطولي العظيم في الدفاع عن نفسها، كما عن العالم كله، في وجه جيوش الإرهاب التي صنعتها ودفعت بها إلى سورية، ولكن أميركا الجانية لم تتورع عن وصفها بدولة الإرهاب فضلاً عن أن تعترف بأن ما تقوم به هو دفاع عن النفس.
في المكاييل الأميركية العنصرية المصلحية، يمكن أن يصبح الأسود الفاحم، كالحالة الإسرائيلية، أكثر بياضاً من غسيل «أومو»! كما يغدو الأبيض الناصع والوردي وسائر ألوان الطيف سواداً وسخاماً.
في المكاييل الأميركية المتحيزة لعصابات الإجرام لم تتورع عن دمغ المدافعين عن أنفسهم بحق في غزة والضفة بالإرهاب، فيما هي تصف قتلتهم ومحاصريهم على أن صنيعهم المدان عالمياً إن هو إلا دفاع عن النفس.
بل إن أميركا لم تعترف لليمنيين بحق الدفاع عن النفس، بعد عذابات خمس من السنين، تعرض اليمن فيها لدمار شامل، في بنيته التحتية والفوقية، وبعد أن قُتل وشرد أهله بفعل السلاح الأميركي، وحوصر فمنع عنه الغذاء والدواء، وسائر وسائل العيش والحياة، ما أصبح معروفاً عالمياً بأن مأساة اليمن غير مسبوقة في العصر الحديث. الجناة معروفون، وعلى رأسهم حلف الشر والجريمة أميركا نفسها، وإن رد اليمنيين بعد أن فاض بهم الكيل، رد محدود، مقارنة بما ينهال عليهم من جحيم، هو فعلاً دفاع عن النفس، بل ذهبت، ومعها إسرائيل والسعودية إلى اتهام إيران بأنها من قام بذلك استخفافاً باليمنيين. فهل كانت أميركا تريد لليمنيين أن يمضوا في تحملهم لما يقع عليهم من عدوان غاشم وهائل حتى النهاية؟ ألم يكن ما فعله اليمنيون أخيراً هو أجلّ معاني الدفاع عن النفس؟ فلماذا تنكر عليهم أميركا ذلك؟
هي إذاً المكاييل الأميركية المتعددة التي عرفناها، وعرفها العالم كله، على مدى عقود وعقود. مكاييل يحاول تزيينها وتبريرها إعلام مخادع فاجر يصوغ الذرائع والمسوغات الباطلة كما يحلو له، ظناً من صناعه وموجهيه بأن خداعهم يمكن أن ينطلي على العقلاء والشرفاء في هذا العالم على رحبه.
الانحياز الأميركي الأعمى لجانب الظلم والجريمة لفئة قليلة مارقة على حساب العدل والحق في الحياة عند بقية البشر، هذا الانحياز أصاب أميركا في هيبتها ومكانتها التي كانت لها ذات يوم، ولكن عن طريق إعلام خادع، ولا سيما في عهد رئيسها الحالي ترامب، ومن معه من أنصار وحلفاء وأتباع في الشرق والغرب، لقد قدم ترامب للصهيونية واليهودية العالمية ما لم يقدمه أحد من قبل، لمجرد الفوز بسنوات خمس قادمات يتبوأ فيها مقعده في البيت الأبيض يشبع فيها نهمه غير العادي للمال والسلطة في آن معاً.
ولتفعل إسرائيل ما تشاء، ولتمضي في اقتراف أبشع الجرائم بحق أطفال فلسطين ونسائها ورجالها دفاعاً عن النفس، فالنفس الإسرائيلية، فيما يبدو، وعند ترامب غالية الثمن، فلربما كانت أغلى وأعلى من سائر النفوس عند سائر البشر معاذ الله، فهم أدناها وأكثرها ضعة على مدى التاريخ البشري كله في كل زمان ومكان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن