قضايا وآراء

خيارات دمشق والقاهرة.. التحالفات الممكنة

مازن بلال :

رغم عدم وجود مصر في غرفة «التنسيق» التي أنشأتها موسكو لمحاربة الإرهاب؛ لكنها لا تبدو بعيدة عن المشهد الذي يتضح بشكل سريع، فالترتيبات الروسية تحاول الابتعاد قدر الإمكان عن صيغ «التحالفات» التقليدية، وذلك في ظل حرب معقدة تتجاوز سيادة الدول لتشمل الشرق الأوسط، وهو ما دفع قادة الكرملين إلى الدخول في رهانات سياسية على هامش تحركهم العسكري ضد الإرهاب، ولم تكن القاهرة مجرد محطة للتشاور بل ظهرت في عمق التعامل مع الأزمة السورية، فالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زار موسكو مرتين، في حين بدا هامش تنسيق واضح عشية انعقاد المؤتمر التشاوري «موسكو1»، حيث اعتبر بشكل أو بآخر جزءاً من حراك عام ومن «مؤتمر القاهرة» الذي انعقد قبله بقليل.
هذه الصورة تقدم مؤشرات أساسية إلى الاتجاهات التي تتخذها العلاقات الإقليمية، بعد اضطرابات واضحة وتحالفات مرحلية على مدى خمسة أعوام من الحرب في سورية، ورغم أن العودة إلى نوع من العلاقة بين دمشق والقاهرة لتأسيس نواة صلبة للشرق الأوسط القادم لا تبدو ممكنة في ظل التغيرات الإقليمية الحالية، لكن هذا الأمر ربما يشكل الخيار الذي يمكن على أساسه فرز القوى الإقليمية، وإعادة توزيع الأدوار من أجل رسم توازن جديد، ويمكننا هنا ملاحظة أمرين أساسيين:
– الأول أن التوجهات المصرية حتى في ظل الرئيس السابق محمد مرسي لم تذهب نحو قطع العلاقات مع دمشق، واللافت أن إعلان هذا الأمر من الرئيس مرسي تزامن مع الحملات الشعبية لعزله، فالحكومة المصرية رغم عدم تطرقها المباشر لمسائل «الشرعية» في سورية، لكنها أبقت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، وفضلت عدم الدخول في حركة الاستقطاب الإقليمية التي شكلتها الحرب ضد سورية.
ومنذ بداية الأحداث السورية انعقدت عدة مؤتمرات في القاهرة، وكان الفارق الواضح لهذه التجمعات أنها ضمت طيف المعارضة؛ من دون الدخول في مسائل الضغط على دمشق من بوابة الشرعية، فمؤتمر أصدقاء سورية على سبيل المثال الذي أراد تشكيل بديل من الشرعية للدولة السورية طاف في عدة عواصم عربية وأجنبية، لكنه لم ينعقد في القاهرة التي بقيت في إطار هامش البحث عن حوار سوري من دون سيناريو مسبق أو محاولة التأثير على موازين القوى الإقليمية.
– الثاني طبيعة الموقع المصري داخل الخريطة الإقليمية وخصوصاً العلاقة مع تركيا، ورغم كل التحركات العربية التي حاولت ترميم العلاقة بين أنقرة والقاهرة، فإن الأمر سيبقى معلقا إلى حين تبلور التوازن الإقليمي الجديد، فالمسألة ليست فقط في دور حزب «العدالة والتنمية» فقط، بل أيضاً في الدور التركي القادم وقدرته على احترام الشرعية والسيادة لدول الجوار وعلى الأخص سورية.
عمليا فإن مسألة الضغط على دمشق كانت خارج حسابات السياسة المصرية، ورغم أن توازن العلاقات بين القاهرة والسعودية شكل حاجزا سياسيا قلل من إمكانية دور مصري فاعل تجاه سورية، إلا أن هذا الأمر ربما دفع نحو بلورة خلفية للمشهد السياسي القادم، فالمسألة للسياسة المصرية هي الحفاظ على الدولة السورية وعلى المؤسسات الشرعية، وذلك بغض النظر عن الظروف الإقليمية والدولية التي دفعت الدولتين نحو بعض التباين قبل عام 2011 بشأن بعض السياسات الإقليمية.
ضمن المشهد الإقليمي القادم ستبدو القاهرة ضمن الموقع المناسب لرسم التوازنات القادمة، فهي تعرف تماما خطورة اللعب بالعوامل الداخلية لكل دولة، وهي في الوقت نفسه تشكل نقطة الاستقطاب للحفاظ على أدوار إقليمية قادرة على الانسجام في ظل حروب تخوضها دول الخليج العربي في اليمن، فالتحالف الممكن بين دمشق والقاهرة ربما سيرسم خيارا مختلفا قادرا على الانسجام مع كل التحولات الإقليمية التي اجتاحت شرقي المتوسط، وأدت في النهاية إلى ظهور عوامل تشتيت تحتاج إلى إعادة الاعتبار للكتل السياسية القوية في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن