الأولى

السعودية: استحقاق الأثمان

بيروت – محمد عبيد :

«كيف يمكن أن تتوقع من دولة قامت بتلزيم أمنها لقوى خارجية أن تكون قادرة على قيادة تحالف للحرب!» معادلة أسَرَّ بها دبلوماسي معني في الإدارة الأميركية وهو يتحدث بازدراء عن الحملات العسكرية السعودية ضد اليمن.
غير أن النظرة الأميركية للنظام السعودي لا يمكن اختصارها بهذه المعادلة فقط، كما ترى مصادر متابعة للعلاقات الأميركية-السعودية التي تؤكد أن الملك سلمان سمع خلال زيارته ونجله محمد إلى البيت الأبيض مؤخراً كلاماً واضحاً ومباشراً من الرئيس باراك أوباما حول ضرورة عدم التوسع ميدانياً في اليمن وخصوصاً باتجاه العاصمة صنعاء لما لهذه الخطوة من تداعيات يمكن أن تُغرق المملكة في مستنقع لسنوات طويلة لن تخرج منه سالمة نظراً للتضاريس الجغرافية المُعقدة لليمن وخصوصاً شماله إضافة إلى تمرس الجيش وأنصار اللـه على التكيف معها والقتال فيها، هذا عدا عن أن هذا التوسع سيلغي إمكانية البحث في تسويات سياسية تحفظ للنظام السعودي منظومة مصالحه وأمنه.
كما تشير المصادر نفسها إلى أن أوباما أبلغ زائره السعودي عدم قدرة واشنطن على إسكات المنظمات الدولية المعنية بالنزاعات الدولية وحقوق الإنسان وجرائم الحرب لفترة طويلة في ظل انتشار مشاهد القتل التي تطول المدنيين اليمنيين في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.
وعلى الرغم من أهمية هذين التحذيرين، إلا أن المفاجأة كانت في طرح أوباما لأمرين لم يتضمنهما جدول أعمال اللقاء. الأول: دعوة سلمان ومملكته مجدداً إلى ضرورة تصحيح المناهج التربوية والتعليمية السعودية التي تنتج فكراً متطرفاً، والثاني: ضرورة احترام حقوق الإنسان ومشاركة المرأة في الشأن العام. وبحسب معطيات اللقاء فإن سلمان أدار الأذن الصماء وتجاهل المطلب الأميركي الأول، في حين أجاب على الثاني بالإشارة إلى قراره السماح للمرأة السعودية بالمشاركة في انتخاب المجالس المحلية في المملكة.
بدا مستقبل المشهد السعودي في واشنطن وكأنه مُعلقٌ بانتظار اكتمال التفاهمات الدولية بين واشنطن وموسكو وكذلك إنجاز المسار التشريعي للتصديق على الاتفاق النووي في الكونغرس الأميركي والشورى الإيراني ومؤخراً المعادلة السورية الجديدة التي أرساها الموقف الروسي من بوابة الحرب على داعش وأخواتها في المنطقة. ورافق ذلك يأسٌ سعودي من إمكانية تحقيق مشروع «القوة الأمنية العربية المشتركة» التي تخلفت عن حضور اجتماعات تأسيسها التي كانت يجب أن تعقد في القاهرة الشهر الماضي ما وفر لمصر مخرجاً لإلغاء هذه الاجتماعات وصرف النظر عن الموضوع.
ولم يكفِ السعودية أزماتها الإقليمية وتورطها في اجتياحين لبلدين عربيين: البحرين واليمن، وانعكاس ذلك على أوضاعها المالية مع بروز أزمة العجز في الموازنة العامة الذي تجاوزت قيمته مبلغ 130 مليار دولار أميركي، حتى جاءتها كارثة الحج مع ما بدأت تثيره من أسئلة واحتجاجات من دول إسلامية حول أهلية النظام في إدارة شؤون الحج ورعاية الوافدين إلى الأماكن المقدسة وتأمين سلامتهم، ناهيك عن الطروحات التي ستتفاعل حول ضرورة إنشاء إدارة من أقطار إسلامية عدة ما يعني إنهاء حقبة تحكم مؤسسات المملكة الدينية وأجهزتها الاستخباراتية بهذه المسألة الإسلامية الجامعة والمقدسة التي تتجاوز جغرافيا المملكة.
كل ذلك يترافق مع ما يتردد في أوساط عدة حول الاندفاعة الجنونية لولي ولي العهد محمد بن سلمان لتسلم زمام المُلك على حياة والده وما لهذه الخطوة من ارتدادات قد تهز أركان السلطتين الحليفتين المكونتين للملكة: الـسعود والمؤسسة الدينية الوهابية.
هي أثمان كانت تحاول السعودية دائماً تأخير دفعها من خلال خوض حروبها بالواسطة وعلى أراضي الآخرين، لكن أوان استحقاقها بدأ يقترب خصوصاً إذا لم تبادر قيادتها إلى البحث عن تسويات تحفظ دورها وموقعها وربما حدودها في ظل متغيرات سياسية دولية وإقليمية جذرية على مستوى التحالفات المبدئية ومنظومة المصالح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن