قضايا وآراء

سورية القوية مصلحة الجميع

| بقلم د. بسام أبو عبد الله

لم تتغير قناعة وإيمان وإصرار الرئيس بشار الأسد ولا للحظة واحدة، في أن كل شبر من الأرض السورية سوف يحرر، ويعود لسيادة الدولة السورية سواء عبر الطرق السياسية والدبلوماسية أم باستخدام القوة العسكرية، وهذه القناعة وهذا الإيمان نابعان من تحليل عميق ودقيق للواقع، ولطبيعة الحرب الفاشية على سورية والسوريين، إضافة إلى الاعتقاد الراسخ بانتماء وتجذر الشعب السوري في أرضه، وقدرته على هزيمة هذا المشروع الفاشي.
في 16 تموز 2014 خاطب الرئيس الأسد أبناء الشعب السوري بكلام مباشر، ومؤثر حينما قال: «سنوات مضت منذ صرخ البعض للحرية فكنتم الأحرار في زمن التبعية، وكنتم الأسياد في زمن الأُجراء، سنوات مرت كان لهم القول، وكان بحكم الفعل، غرقوا في الوهم، فصنعتم الواقع، أرادوها ثورة فكنتم أنتم الثوار الحقيقيين، فهنيئاً لكم ثورتكم وانتصاركم، وهنيئاً لسورية انتماؤكم إليها».
لو أخذنا هذه العبارات المؤثرة من كلام الرئيس الأسد عام 2014، لوجدناها تنطبق على المشاعر الفياضة التي عبر السوريون عنها في الحسكة والقامشلي والأرياف، إذ استقبل هؤلاء أبناء جيشهم وهو ينتشر ليعيد الأمن والأمان، وليشعر السوريون من خلاله بنفس وروح الدولة والقانون بعد سنوات عجاف، عاشوا خلالها في ظل أصحاب أوهام ومشاريع صبيانية لا تُغني ولا تسمن، لا بل تهدد وحدة سورية وسيادتها، ووحدة المجتمع السوري في الجزيرة السورية.
ما حدث خلال الأيام الماضية يجب ألا يكون مفاجئاً لأحد، فالموقف الرسمي السوري كان واضحاً في رفض العدوان التركي، وفي إبداء الحزم والاستعداد لمواجهته بالوسائل كافة، وفي الوقت نفسه كان الخطاب حازماً تجاه بعض من عَوّلَ على الأميركي أو الدعم الأجنبي من دون أن يدرك للحظة واحدة أنه لا حليف للأميركي سوى مصالحه، وأن العملاء لا أحد يحترمهم عبر التاريخ، ولذلك فإن عودة هؤلاء إلى رشدهم وإدراكهم أنهم يسيرون للهاوية قد تكون لحظة مهمة، لأن الوطن يتسع للجميع، والتعويل على الأجنبي هو تعويل على السراب والوهم والهزيمة.
الآن وبعد سنوات تسع سقطت الأقنعة، وانكشفت الحقائق، تغيرت الظروف والوقائع، تبدلت المواقف وانقلبت الأمور رأساً على عقب، فمن كان يتخيل أن وزراء خارجية ما يسمى بـ«الجامعة العربية» سوف يجتمعون ليدينوا حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي كانت شريكة لهم في غرفة «الموم» قبل سنوات، حيث كانوا يتآمرون معاً على وحدة سورية وشعبها ورئيسها، ويشنون حرباً إعلامية ضارية وقذرة علينا جميعاً لإركاعنا وإذلالنا حسب ما كانوا يتوهمون، والحقيقة أن هؤلاء المجتمعين أصدروا بياناً ضد أردوغان، وليس حباً بسورية، لأنه لو كان حباً بسورية لطلبوا حضورها اجتماعات الجامعة العربية. ثم من كان يعتقد أن كل هذا العالم سوف يدين تركيا على عدوانها، فالأوروبيون تعاطوا من باب كراهية أردوغان وليس حباً بسورية، فالفرنسيون هم الآباء الروحيون لما يسمى «مشروعاً كردياً» وعملوا كل ما بوسعهم لدعمه، ولكنهم عاجزون بعد انسحاب الأميركي، وخاصة أن أكثر الممتعضين كان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو الذي عمل مع كل المؤسسات الصهيونية على تفتيت المشرق العربي، وتقسيمه إلى إثنيات وأعراق ومذاهب تتقاتل وتتناحر كرمى عيون إسرائيل «اليهودية» الخالصة، فالمواقف تغيرت، والمصالح تناقضت، وصمود سورية وشعبها وقائدها أدى لارتدادات زلزالية هائلة نراها بأم العين، فمن كان يصدق ما يحدث الآن؟
الإجابة أن كل وطني سوري مخلص كان مؤمناً في أحلك الظروف بأننا سننتصر، لأن سورية هذه التي ندافع عنها هي بلد كل من يؤمن بالتسامح والمحبة والانفتاح والتنوير، وهذا البلد الذي دافعنا عنه جميعاً لا يقوم على كراهية أو حقد أو تطرف، ولا على انغلاق وإقصاء ولا على إثنيات وطوائف ومذاهب، وإنما يقوم على العروبة كوعاء ثقافي حضاري، وليس على انتماء إثني أو قومي، ولذلك لا استمرارية لسورية التي نعرفها ونحبها وندافع عنها إلا برفض لغة التعصب والتمييز والتفريق وانتشار لغة الحوار والانفتاح والتنوير.
أكتب هذا الكلام لأقول بوضوح شديد أن الذين انجروا خلف الدعاية الغربية، والصهيونية بتكرار عبارات العرب والأكراد مثلاً، أو الحديث عن مشروع كردي لإثارة النعرات الإثنية، بعد الطائفية والمذهبية، هم مشتبهون فالمشروع الانفصالي في الجزيرة السورية كان فيه للأسف عرب وأكراد، ومن ثم هو مشروع غير وطني بغض النظر عمن فيه من أكراد أو عرب وهذا لا يهم، ما يهمنا أن نقول إنه بعد سنوات تسع من هذه الحرب الفاشية علينا، آن أن نتوقف عن التوصيف الإثني والمذهبي كي لا نخدم أصحاب المشروع، وآن لنا أن نتحدث عن وطنيين سوريين، وخونة سوريين بغض النظر عن الهويات الفرعية التي لا تقدم ولا تؤخر، فالقوى المعادية لنا تاجرت بكل الأدوات «الدين والمذهب والطائفة والإثنية»، وأينما أتيح لها من انتهازيين وخونة كانت تستخدمهم، ومن هنا لابد من استخدام المصطلح الصحيح والابتعاد عن لغة التعميم.
إن سورية القوية مصلحة للجميع: أولاً لأبناء شعبها حيث اكتشف كثيرون ممن ضلوا وجربوا وعاشوا في كنف هذه القوة الإقليمية أو تلك، إنهم مجرد أدوات رخيصة وإن الحامي لهم جميعاً الدولة والجيش، وإن كل المشاريع الوهمية التي تحدث عنها متفذلكو ومنظرو المعارضة ليست إلا أوراقاً لا تخدمهم وإنما تخدم مشغليهم.
أما دول الإقليم فقد اكتشفت أن أمنها واقتصادها لا يمكن أن يتحقق في ظل اضطراب ضربات قلب المنطقة، وفي ظل استهداف سورية «قلب العروبة النابض» هذا الكلام يمتد لدول الإقليم العربية وغير العربية، فحتى تركيا التي عاش قادتها على وهم العثمانية والتنظيمات الإرهابية التي منحوها أسماء براقة اضطر أحد نواب حزبها الحاكم أن يصف المرتزقة الذين أسماهم أردوغان جيشاً وطنياً بـ«البرابرة» بعد أن شاهد الإعدامات الميدانية والجرائم التي ارتكبوها في المناطق التي احتلوها.
سورية القوية مصلحة كل وطني سوري، ومصلحة كل عاقل في هذا الإقليم والعالم، وهذا ما يؤكد عليه حلفاؤنا الروس والإيرانيون دائماً ويعملون عليه، ويبدو أن الجميع بدأ يقتنع أن لا إمكانية لكسر إرادة هذا الشعب العظيم والجيش البطل والرئيس الشجاع، فلا تعتقدوا أن أحداً سوف يرحمك لو لم نكن جميعاً وطنيين حقيقيين «نؤمن أن بقاءنا هو بقاء للوطن وأن وطننا حق لنا، وحمايته حق علينا، والله مع الحق» كما قال الرئيس الأسد في 26 تموز 2015.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن