قضايا وآراء

إسرائيل بين الحروب والملاجئ

| تحسين الحلبي

طبيعي أن يضع قادة إسرائيل في أولوية جدول عملهم مضاعفات التطورات الأخيرة والمتسارعة عند حدود سورية الشمالية وما يمكن أن ينتج عنها لمصلحة أطراف محور المقاومة وازدياد قدراتها العسكرية الاستراتيجية والاقتصادية في المنطقة.
مركز أبحاث عسكري إسرائيلي نشر في العاشر من تشرين الأول الجاري في موقعه تحليلاً تحت عنوان: «على إسرائيل أن تستعد للحرب وبسرعة» بقلم إيلي باراون، يرى فيه أن «طريقة الحرب العالمية تغيرت وإذا كانت إسرائيل تريد ألا تدفع ثمناً باهظاً فعليها فوراً أن تستعد بشكل صحيح وهي لا تستطيع أن تبقى ضمن دائرة الاستعداد فقط بل عليها عند الضرورة أن تحارب على طريقة حروب الأمس».
وفي الاتجاه ذاته تشير تحليلات مماثلة في هذا المركز الإسرائيلي الذي ينشر بالعبرية باسم «خلق المعرفة» إلى الوضع الذي مرت فيه إسرائيل في السنوات الثماني الماضية وكانت تتوقع وتعمل على التحول إلى أكبر قوة قادرة على التوسع الإقليمي أو على الأقل إلى أكبر قوة تستطيع حماية مصالحها وأهدافها وحدها، فمعظم المحللين العسكريين في إسرائيل يعترفون أن كل ضعف يطرأ على قوة ونفوذ الولايات المتحدة في المنطقة يؤدي إلى مخاوف إسرائيلية من تزايد الوضع المعادي لها من جبهة الشمال بشكل خاص بسبب تزايد القدرات العسكرية لهذه الجبهة من جنوب لبنان إلى حدود الجولان المحتل.
يبين باراون في تحليله أن «جبهة الشمال ليس من المتوقع أن تستخدم ضد إسرائيل آلاف الدبابات والمدافع ومئات الطائرات الحربية، فطريقة الحرب بهذا الشكل القديم جرى وضعها جانباً بل ستستخدم هذه الجبهة آلاف الصواريخ ذات الدقة في إصابة أهدافها ومن أنواع مختلفة، ولن يكون بمقدور إسرائيل مهما كان لديها من منظومات مضادة للصواريخ إسقاط كل هذا العدد قبل إصابته للهدف بل إن الولايات المتحدة نفسها تعجز عن ذلك».
يضيف باراون: إن جبهة ساحة القتال أصبحت الآن هي الجبهة الداخلية الإسرائيلية نفسها بكل ما فيها من بنى تحتية عسكرية واقتصادية ومستوطنين، بل بما في ذلك الثكنات العسكرية ويرى أن الحروب فقدت جزءاً ليس قليلاً من أسرارها وأصبحت مكشوفة للمختصين ولكل من يتابع التطورات التكنولوجية العسكرية ومعارض الأسلحة، وتساءل باراون: «أمام هذا الوضع هل أعدت إسرائيل نفسها لحرب كهذه»؟
يجيب: «بالطبع لا، إذاً ما العمل؟ أولاً لا يوجد رد حاسم قاطع على صواريخ من هذا القبيل، ثانياً هذا لا يعني أن يستعد الإسرائيليون بإعداد كل ما لديهم تحسباً من حرب كهذه وقد ظهر أن مئات الآلاف منهم قامت بهجرة معاكسة من إسرائيل إلى دول أخرى خلال السنوات العشر الماضية فقط علماً أن آخرين تزيد إعدادهم على مليون كانوا قد استقروا في أوروبا وروسيا الاتحادية التي يتحدث بلغتها الروسية الآن أكثر من 700 ألف يحمل نصفهم الجنسية الروسية إضافة إلى الإسرائيلية.
هذه الظاهرة المؤكدة تثبت أن المشروع الصهيوني وما يسمى الهجرة إلى إسرائيل هو مجرد مشروع تغلب عليه العوامل الاقتصادية وخاصة أن أكثر من 7 ملايين يهودي في العالم يعيشون بأمان لأنهم خارج إسرائيل بينما يصبح اليهودي الإسرائيلي هو الوحيد الذي سيتعرض لمثل هذه الحروب التي يتحدث عنها باراون وأمامه درب مفتوحة لحياة اقتصادية وآمنة في كل الدول التي جاء منها آباؤه مهاجرين مغتصبين لوطن وتاريخ الشعب الفلسطيني.
فحين يسمع الإسرائيلي عن ضرورة بناء عشرات الآلاف من الملاجئ لحمايته من صواريخ أصحاب الحق بفلسطين فما الذي يشعر به وكل العالم من حوله في أوروبا وروسيا وأميركا لا توجد فيه حروب وأبوابه مشرعة له؟
لو قامت جبهة محايدة باستطلاع رأي عدد من الإسرائيليين حول مستقبل وجودهم في ظل الحروب المقبلة والحروب الاستنزافية المستمرة حتى الآن في داخل الأراضي المحتلة من حولها من الشمال والجنوب لوجدت أنهم يعيشون في خوف ما بقي أصحاب الحق يتمسكون باستعادة الحقوق التي سلبها هؤلاء، ومع انحسار وشح هجرة اليهود إلى الأراضي المحتلة بدأت القيادة الإسرائيلية بشن حملة دعائية في أوروبا وأميركا مستخدمة شعارها القديم الجديد «معاداة السامية» والزعم بأن يهود أوروبا وأميركا يتعرضون للكراهية وللتهديد بالموت وكل الأرقام تؤكد أنهم مواطنون من الدرجة الأولى في كل الدول!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن