قضايا وآراء

اتفاق الخيارات الصعبة

| مازن جبور

الاتفاق الأميركي التركي المعلن عنه مؤخراً، ليس سوى صدمة كهربائية لمريض يدعى «المنطقة الآمنة» ولد مشوهاً، لن تفيده الصدمات، والأفضل له أن يترك كي يلقى حتفه، فالآباء من واشنطن إلى تركيا مختلفون على التبني، والأم، الميليشيات الكردية ذات النيّات الانفصالية، واقعة بين سندان العهر إذا ما عادت إلى أحضان الأميركي والتركي والذبح لغسل العار إذا ما أخلت بتعهداتها لدمشق وموسكو.
على الرغم من دروس الحاضر والماضي التي تلقاها الكرد من خيانة واشنطن وغيرها لهم، إلا أن الميليشيات الكردية دخلت باتفاق تعليق وقف ما يسمى عملية «نبع السلام» العدوانية التركية على مناطق سيطرتها شمال شرق الفرات، مذعنة مجدداً لتعليمات واشنطن ولاشتراطات أنقرة، وسط أنباء تؤكد انسحابها إلى مسافة محددة عن الحدود السورية التركية وفق مطالبات النظام التركي، هذا الإذعان من الميليشيات الكردية يترك الهواجس تدور حول سؤال رئيسي مفاده ماذا عن التعهد الذي قدمته تلك الميليشيات للدولة السورية، بعد أن تخلت واشنطن عنها وأشرع النظام التركي مقاصله لذبحها فما كان من مغيث لها سوى دمشق؟
أياً تكن الإجابة عن هذا السؤال، التي يمكن أن تقدمها الميليشيات الكردية، فإن النصر بتحرير كل ذرة تراب الأراضي السورية هي الثابت الوحيد لسورية قيادة وجيشاً وشعباً وحتى لحلفاء سورية، وما تعهد الميليشيات الكردية وتسليمها لمناطق سيطرتها للجيش العربي السوري، إلا مكسب لتلك الميليشيات.
قد لا تكون الغاية من إجبار الإدارة الأميركية للنظام التركي على وقف عمليته العدوانية، هي مخرج جديد للتراجع عن قرار الانسحاب من سورية، بل قد يكون هدف واشنطن تحقيق ما يمكن تسميته «الانسحاب المضبوط» الذي يؤمن للإدارة الأميركية ماء الوجه، ويخفف عنها الضغوط الداخلية من الكونغرس ووزارة الدفاع «البنتاغون» ومن جماعات الضغط الأميركية، على اعتبار أن إجبار تركيا على اتفاق كهذا سيعطي للميليشيات الكردية قوة تفاوضية أكبر سواء مع الجانب التركي أو مع الحكومة السورية، وهو في الوقت نفسه سيصلح بعضاً من الخلل الذي أحدثه العدوان في العلاقة بين واشنطن وأنقرة مصلحة العلاقة بين موسكو وأنقرة.
مهما يكن هدف واشنطن من الأمر ومهما تكن دوافع أنقرة للإذعان للضغط الأميركي، فإن الاحتلالين وقعا في فخ التوقيت، إذ إن مشروع الولايات المتحدة لتقسيم سورية سقط، وكذلك مشروع «المنطقة الآمنة» سقط، فتقدم الجيش العربي السوري وانتشاره من منبج إلى عين العرب إلى الطبقة والرقة وعين عيسى، يعني ولادة مشوهة لكلا المشروعين.
فهذا التقدم قطع الطريق أمام أردوغان بالوصل بين المناطق التي يحتلها شمالي البلاد على ضفتي نهر الفرات ،تل أبيض شرق الفرات، وجرابلس غرب الفرات، وجعل «الدويلة الكردية» مغمورة بين الكثبان الرملية، إذ إن الفرات بات في أيدي أمينة أيدي رجال الجيش العربي السوري، ومن ثم فإن الميليشيات الكردية مجبرة على الالتزام بتعهداتها لدمشق وموسكو أو إن مصيرها الغرق في رمال الصحراء السورية كفلول مسلحي تنظيم داعش الإرهابي.
مهما كانت التحولات سريعة ومبهمة في مشهدية الشمال، فإن كل الطرق لتحقيق النصر النهائي والحفاظ على وحدة وسيادة استقلال سورية باتت مفتوحة أمام الجيش العربي السوري، ولعل الترحيب الذي تلقاه مؤخراً من الشعب السوري في المناطق التي انتشر فيها، خير موعظة للمحتلين والانفصاليين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن