ثقافة وفن

الفنان دريد لحام لـ«الوطن»: الإغراق في التفاؤل أو التشائم ينسف العمل الكوميدي

عامر فؤاد عامر – تصوير طارق السعدوني :

بدأ مشواره الفني في الستينيات، فكان أحد أبرز الأسماء التي لمعت في سماء الدراما العربيّة في وقتٍ مبكر، فبرع في المسرح والدراما التلفزيونيّة، والسينما، وتعدّ تجربة مسرح الشوك من أهم وأغنى تجارب المسرح في منطقتنا مع الفنان الراحل «عمر حجو»، وشكّل في السبعينيات ثنائيّاً ناجحاً مع الفنان الراحل «نهاد قلعي» فحققت له هذه الخطوة الانتشار، وفيما بعد كان نجاحه مع الأديب والشاعر الراحل «محمد الماغوط» وحققت له هذه الخطوة الموقف السياسي، وفي كلتا التجربتين كان شريكاً فاعلاً في النصّ، والتشخيص، والرؤية الإخراجيّة.
له تجربته المهمة في الأداء الغنائي، والتي أصبحت مع مرور الوقت أغنيات ترددها الأجيال مثل «بكتب اسمك يا بلادي»، و«يامو»، وأيضاً في تقديم البرامج التلفزيونيّة كبرنامج «عالم دريد» على شاشة «mbc». ارتبط اسمه لوقت طويل بشخصيّة «غوار الطوشة» إلا أنه قدّم مع مرور الوقت كركترات مؤثرة غيرها كـ«الدغري»، و«أبو الهنا»، و«أبو نمر» في مسلسل «الخربة»، و«أبو سامي» في مسلسل «سنعود بعد قليل». «الوطن» التقت الفنان القدير «دريد لحام» وكان الحوار التالي:

أسباب خلود «غوار»

التصقت شخصية «غوار» بذاكرة المشاهد لوقتٍ طويل، ولا تزال من الكركترات التي ستعيش في الذاكرة الكوميديّة، وعن الأسباب التي جعلتها كذلك يقول الفنان «دريد لحام»: «غوار» شخصيّة بسيطة، وبدايتي كانت مع شخصيّة «كارلوس ميرندا» التي ألبستها الزيّ الإسباني، لكن الناس لم تحبّها، ولم ترتق لمستوى الانتشار، بل طالب البعض حينها باستبعاد هذه الشخصيّة بحدّة، لكن طموحي ورغبتي في هدف تقديم شخصيّة تنال محبّة الجمهور، وترقى لمستوى ناجح؛ هو ما جعلني كثير التصميم في البحث عن شخصيّة كوميديّة جديدة، وهنا أستذكر قولاً لـ«تشرشل» الذي قاد بريطانيا للنصر في التاريخ الحديث، والذي عرّف النجاح بقوله: «النجاح هو الانتقال من إخفاق إلى آخر من دون أن نفقد الحماسة»، بالتالي جميعنا نتعلم من الخطأ الذي نقع فيه، ومعرفة أضداد الأمور ستزيدنا غنى ومعرفة، فكان فيما بعد أن بحثت في شخصيّة شاميّة، تحمل التفاصيل الدقيقة، واخترت لها «القبقاب»، و«الطربوش» وغيرها من تفاصيل أخرى، وفي أول ظهور لشخصيّة «غوار» أحبته الناس على عكس «كارلوس»، وهنا يمكنني القول بأنّه لا يوجد عيد ميلاد لشخصيّة «غوار» فقد كنت أبني هذه الشخصيّة على مراحل زمنيّة متلاحقة، فبدأ بشخصيّة ذات تفاصيل شكليّة أو «موديل»، وفيما بعد امتلك الحالة الفكريّة التي كانت تُقدّم على خشبة المسرح».

مغالطات دراميّة
وعن الفرق في طريقة طرح الشخصيّة الشاميّة بين الماضي والحاضر يقول الفنان «دريد لحام»: «هناك مغالطات كبيرة ترافق تقديم الشخصيّة الشاميّة اليوم، فعلى سبيل المثال لا يوجد شكل للزعيم كما تصدره مسلسلات البيئة الشاميّة، بل كان هناك ما يدعى بـ«شيخ الشباب» أو «القبضاي»، وليس بعضلاته فقط! بل بأفكاره، وأخلاقه، فالشيخ هنا مطلوب منه أن يكون حكيماً، ويحلّ المشاكل، والمنازعات بين الناس، ولو على حسابه الشخصي، ومن المغالطات التي لا بدّ لي من الإشارة إليها هي العلاقة الجميلة بين ابن البيئة الدمشقيّة مع المرأة، والتقدير لكيانها، ومكانتها التي نسفتها معظم أعمال البيئة الشاميّة للأسف».

بُنيّة متينة
على الرغم من تشابه البنيّة بين مسلسلات «صح النوم»، و«مقالب غوار»، و«حمام الهنا»، إلا أن هذه الأعمال كانت من أنجح ما قدّمته الدراما السوريّة، وعن ذلك يتحدّث الفنان «دريد»: «من «صح النوم» إلى «مقالب غوار» و«حمام الهنا» يمكن القول بأنها أفكار كنا نقوم بجمعها أنا والفنان «نهاد قلعي»، وقد اعتمدنا فيها بالاتفاق على فكرة نفسيّة منتشرة بين الناس في مجتمعنا، مفادها أنّ: الناس لدينا تحبّ انتصار الضعيف على القوي، فـ«غوار» شخصيّة تحمل جانباً كبيراً من الضعف، بل يمكن وصفه بالصعلوك، لكنه ينتصر دائماً على الأقوى منها، فمثلا ينتصر على رئيس المخفر، وعلى «حسني البورزان»، وعلى الجميع، على الرغم من ضعفه الواضح، فالناس أحبت هذه المعادلة، وكانت معادلة ناجحة جداً، ومن «مقالب غوار» استفدنا كثيراً في بناء مسلسل «صح النوم»، وهناك فكرة كانت ترافقني دائماً هي أشبه بالحذر في مراقبة إخفاق شخصيّة «غوار» أو نجاحها، من خلال ردّة فعل الناس، وهذا الحذر رفع من مستوى كلّ ما قدّمه «غوار» في النهاية، وعموماً هذا ما يُنجي نجاح الشخصيّة الفنيّة، فأنا خلال 55 عاماً في مشوار الفنّ ما زالت رهبة الكاميرا حاضرة في حساباتي، وهناك رصيد لابدّ من المحافظة عليه، وصورة لا بدّ من تقديمها بشكل صحيح وسليم».

خيارات اليوم الفنيّة
عن القلّة في الإنتاج الفني مؤخراً بالمقارنة مع السابق، وعن الحذر في أيّ مشاركة تلفزيونيّة يعلّق الفنان القدير «دريد لحام»: «اليوم أعمالي قليلة لأن خياراتي أصبحت صعبة، وفكرة أن أقدم شيئاً ما للناس يتناسب وما يحمله هذا الوقت أصبح هاجساً كبيراً، وحاضراً بقوّة، فتقديمي لمسة حنان في عمل يثير مشاعر طفل ويبني فيه شيئاً إيجابياً هو هدف يشغلني كثيراً، قبل أيّ مغرياتٍ أخرى». ولدى السؤال عن إمكانية تقديم أعمال كوميديّة مستقبليّة جديدة يضيف: «لا أتوقع أن يكون في رصيدي بعد اليوم أعمال كوميديّة تدعو للقهقهة؛ على طريقة «صح النوم» أو غيره، بل يمكن أن تكون أعمالاً تحمل الابتسام، وتدعو للتفاؤل، وأنا عموماً اعتمدت أسلوب الصدمة إلى جانب الضحكة، كما في مسرحيّات قدّمتها سابقاً مع كثير من الفنانين، فلا يجوز الإغراق في التفاؤل، فيتخدر المتلقي، ولا الإغراق في التشاؤم فينشلّ عن حركته، بل يتوجب أن يكون هناك موازنة بين الضحكة والصدمة».

«ضبوا الشناتي» الكوميديا الناجحة
يصرّح الفنان القدير «دريد لحام» بأن كوميديا اليوم لها مواصفات مختلفة عن السابق لكن الأنجح بينها برأيه هو ما قدّمه مسلسل «ضبوا الشناتي» للمخرج «الليث حجو»، وعنه يضيف: «اعتبرت هذا العمل وثيقة لما يجري في سورية، ويمكن للأجيال متابعته، ولو بعد مرور 100 عام، لفهم ما جرى في وطننا من أحداث». وعن العلاقة مع مخرج العمل «الليث حجو» ولاسيما أن هناك تجربة مهمّة معه في مسلسل «سنعود بعد قليل» و«الخربة» يقول: «الليث حجو صديقي مذ كان طفلاً، وأذكر أنه في مسرحيّة «ضيعة تشرين» كان حاضراً معنا وحصل بيننا كثير من المواقف الجميلة على صغر سنّه حينها، واليوم «الليث» مخرج هادئ جداً، يعرف تماماً ماذا يريد، ومهما كان فارق العمر بيننا فلا يمكن وصف العلاقة معه إلا بالصديق، وحتى فرق التجربة بيننا لا تُغني عن كلمة حاضر له».

في الاختيار
لغة الفن التي ارتبطت بشخصيّة الفنان «دريد لحام» هي لغة خاصّة جداً، جعلته أكثر قرباً من المتلقي، فتصل الرسالة التي يريدها مباشرةً في كلّ شخصيّة يقدّمها، وعن هذا الوصف والملاحظة حدّثنا قائلاً: «عندما أقرأ عملاً ما أبحث فيه عن المشهد الذي يستعمرني، وهذا الأمر تكرّر بقوة في مسلسل «سنعود بعد قليل» حيث كان هناك كثير من المشاهد التي استعمرتني، ولذلك وافقت عليه وأحببته، فعشت المشاهد كأنّني «أبو سامي» فعلاً، بل أذكر أن مشاهد كثيرة استغرقتني الدموع فيها من دون سيطرة». أمّا في مسلسل «الخربة» ما شجّعني على المشاركة فيه هو النص بالمجمل، والذي كتبه د. «ممدوح حمادة»، فهو لا ينسى الملامح الإنسانية في الشخصيّة، إضافة إلى مقدرته على الابتسام والإضحاك من خلال الكتابة».

«أبو نمر» واللهجة
لشخصيّة «أبو نمر» في مسلسل «الخربة» حضورها الخاصّ بين كلّ الكركترات التي قدّمها الفنان «دريد لحام» فلها تفاصيل مميزة حتى بين طاقم العمل ضمن المسلسل نفسه وعنها، وعن اختلاف اللهجة التي تحدّث بها الفنان «دريد» يشير: «تجربة التدريس في محافظة السويداء عام 1959 وبالتحديد في مدينة «صلخد» منحتني احتكاكاً مباشراً مع أهل المنطقة الجنوبيّة، وتعلمت شيئاً من فوارق اللهجة هناك أيضاً، وبالعموم تحدّثت في هذا المسلسل بلهجة يتحدّث بها أهالي منطقة الشوف في لبنان، وهذا أمرٌ طبيعي، وزاد الشخصيّة غنى، كما أنني أخذت من جدي لأمّي، وهو من «مشغرة» اللبنانيّة طريقته في المشي، وحركاته، واستخدامه للعكازة، وكثيراً من التفاصيل الأخرى».

ملاحظات المسرح
في تصريح سابق أشار الفنان «دريد لحام» إلى فكرة عدم جمع النجوم في عمل مسرحي واحد لأن ذلك سيُسقط العمل الفني، وفي الاستفسار عن هذه الملاحظة يقول: «نعم كان ذلك إجابةً عن مسرحيّة قام بها «اتحاد الفنانين العرب» الذي أراد تقديم عمل مسرحي من خلال جمع أسماء لامعة من كلّ الوطن العربي، فعندما نجمع هؤلاء على أساس إنجاح عمل مسرحي فذلك لن ينجحه أبداً، وفعلاً سقطت المسرحيّة حينها، لأن الهدف كان تجميع نجوم، وليس تقديم عمل مسرحي، والفرق كبير بين الهدفين».

وصف المسرح بالتنفيسي
وصف نقاد المسرح بأن مسرح «دريد» لا يلعب إلا دوراً تنفيسيّاً، وعن هذه الملاحظة يجيب: «عمد بعض المنظرين إلى وصف المسرح بهذه الطريقة، لكن في الحقيقة هو اتهام له وللجمهور، وبرأيي فإن المسرح إمّا أن يكون صادقاً أو يكون كاذباً، ولم يكن مسرحنا الذي قدّمناه إلا صادقاً، وغير ممالئ للسلطة إطلاقاً، وعندما قدّمنا تجربة مسرح «الشوك» ومبدعه الفنان «عمر حجو»، تحدّثنا بكلامٍ خطير عن أسباب هزيمة 1967، وقد أوصينا أصدقاءنا بعائلاتنا لأنّنا توقعنا قبل تقديم العرض أن نُسجن، وأن تعتدي السلطة علينا، فقد كانت المسرحيّة توجه أصابع الاتهام مباشرة للسلطة كسبب من أسباب النكسة، وهناك كثير من المشاهد في مسرحيّات قدّمناها تحمل حالة تجريح للسلطة بصورة مباشرة وغير مباشرة».

فسحة أمل
حول إمكانية تقديم خطوة مسرحيّة جديدة يقول الفنان «دريد لحام»: «أتمنى أن يكون هناك نشاط مسرحي يكلّل التجربة بعد هذا العمر، وأذكر أنه منذ 7 سنوات تقريباً قام الفنان «عمر حجو» بتجربة مسرحيّة ناجحة من خلال الشباب في حلب، الذين أعادوا تمثيل العديد من المسرحيّات القديمة، ومنها مسرحيّة «كاسك يا وطن»، وأتمنى أن يقوم المعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق بإعادتها وتقديمها من جديد من خلال طلاب المعهد، فهناك مسرحيات يمكن إعادتها من جديد وهي غنية بمستواها الذي ينطبق منها أشياء وأشياء على واقعنا الحالي».

منافسة «عادل إمام»
جرت العادة في محطات عربيّة على مقارنة اسمي الفنانين «دريد لحام»، و«عادل إمام» من حيث محبّة الجمهور لهما، ومقدرتهما على تقديم الكاركترات الكوميديّة، وعن هذه المقارنة يقول: «في الفنّ لا منافسة ولا مقارنة ولا مراتب، وربما هذا ينطبق على رياضة الجري أو غيرها، لكن في الفنّ لا ينطبق هذا الكلام فلكلٍّ مكانه وموقعه، فلا فنان يشبه آخر، والفنّ لا يورّث بالعموم».

السينما البطيئة
عن الأفكار والمشاريع السينمائيّة القادمة يقول: «لدي فكرتان، وأتمنى تحقيق واحدة منهما فقط، وعموماً أنا بطيء، والسينما برأيي تحتاج التأني، وأذكر أن فيلم «الحدود» بقي في ذهني مدّة 20 عاماً فقد وقعت بحادث سير عام 1964 على الحدود بين سورية ولبنان، وعندما نفذت الفكرة كانت في العام 1984، فالفكرة تمكث في رأسي وأقلّبها كثيراً، وكذلك «الآباء الصغار»، الموافقة أخذتها في العام 1973 لكن تنفيذ الفيلم كان في العام 2006، واليوم لدي فكرتان لا بدّ من تنفيذهما».

الحدود
تعليقاً على فيلم «الحدود» بين اليوم وفي فترة تقديمه، وهو الفيلم الذي حمل حالة نقدية للعلاقة مع الدول العربية يعلّق: «أثبتت التجربة سابقاً وحاليّاً أن سورية هي الدولة المتقدمة على كلّ الدول العربيّة في مسألة تبنيها القوميّة العربيّة، وهناك قول مهم لـ«محمد الماغوط» وهي: «المأساة ليست في الموت بل المأساة فيما يموت فينا ونحن أحياء»، وهنا يكمن الخوف اليوم بأن يموت فينا إحساس القوميّة العربيّة بعد كلّ ما حدث، فنحن كسوريين تربينا على هذا المنطق، وتاريخنا تاريخ مقاوم منذ أقدم العصور، فنحن لا نقبل الذلّ، بل العزّ هو منطقنا ومبدؤنا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن