قضايا وآراء

إدارة عمليات التحريض والقتل

| أحمد ضيف الله

شهدت بغداد وثماني محافظات عراقية وسطى وجنوبية خلال الأسبوع الأول من تشرين الأول الجاري مظاهرات مطلبية محقة، اندفعت فيها جموع مقهورة تطالب بالقضاء على البطالة والفساد وبلقمة العيش الكريم، صارخين ألماً من الفقر والمرض والتجاهل والبؤس، ناقمين على إخفاق وتقصير سياسي وحكومي في تقديم الخدمات ومستلزمات العيش الكريم لهم على مدار أكثر من ستة عشر عاماً.
الحكومة العراقية والمجلس النيابي وكل الأحزاب والفعاليات العراقية لم ينكروا «حق التظاهر السلمي» الذي أجازه الدستور، ولا المطالب الحياتية التي نادى المتظاهرون بها، لكنهم استنكروا حجم العنف الذي أدى إلى «استشهاد 104 أشخاص بينهم 8 منتسبين من الأجهزة الأمنية»، وإلى «6107 مصابين بينهم 1241 من عناصر قوات الأمن»، إضافة إلى «إحراق 8 مقرات حزبية و52 عجلة و51 بناء آخر»، وفق إعلان المتحدث باسم العمليات المشتركة العميد سعد معن.
وما من شك أن وراء ما جرى من أعمال عنف متعمدة طرف ثالث استخدم قناصين لاستهداف القوات الأمنية والمتظاهرين على حد سواء، وملثمين اندسوا بين المتظاهرين لارتكاب أعمال إجرامية، إضافة إلى عدم التزام بعض أفراد القوى الأمنية بـ«قواعد الاشتباك» والإفراط باستخدام القوة.
لقد تمكنت قوى استخباراتية ودول كارهة للعراق وشعبه في تحديد ساعة تحريك التظاهرات السلمية واستثمارها وخرقها، ومن ثم حرفها باتجاه العنف والفوضى والتخريب، لاستنزاف قوات الجيش والشرطة، وقتل وجرح أكبر عدد ممكن من العراقيين، وإلحاق أضرار اقتصادية بالممتلكات العامة والخاصة، بهدف القضاء على العملية السياسية برمتها.
الحراك المُحقّ دفع باتجاه آخر، أداره «الفريق أ» عبر تغطية إعلامية غير مسبوقة من خلال فضائيتي «العربية الحدث» و«الجزيرة» وفضائيات أخرى تدور في فلكهما، وعبر منصات التواصل الاجتماعي، داعين إلى إقالة الحكومة برئاسة عادل عبد المهدي، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني! برئاسة قائد جهاز مكافحة الإرهاب السابق عبد الوهاب الساعدي المعفى من منصبه.
ألف شريحة هاتف أردنية مفعلة الخدمة على الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، رصدتها وزارة الاتصالات العراقية، استخدمت في بث الأخبار الكاذبة والصور والأفلام المفبركة المحرضة على القتل والعنف، فما أن تحدث متظاهر ملثم يرتدي لباساً أبيض عبر فضائيات القتل على أنه مُمرض ترك عمله وهرب لأن عناصر من الحشد الشعبي يجهزون على الجرحى داخل سيارات الإسعاف، حتى استهدف المتظاهرون سيارات الإسعاف وطواقمها بالحجارة، معطلين إمكانية وصولها إلى الضحايا في الشوارع، وما إن أشار أحد أعضاء «الفريق أ» بأن التظاهرات ليست محصورة بساحة التحرير، حيث تشهد مناطق مختلفة من العاصمة بغداد تظاهرات أخرى، حتى نفذ هذا التوجيه بعد ساعات، لتنتشر فوضى التظاهرات في أكثر من 9 مناطق بغدادية، وربما خبر اقتحام مطار بغداد الدولي وقطع الطرق الواصلة إليه الكاذب، الوحيد الذي تنبهت له الجهات المسؤولة وتعاملت معه قبل أن ينفذ كأمر عمليات موجه.
الكذب والتضليل، كالعثور على جوازات سفر إيرانية في ساحات التظاهر! وخبر دخول قوات كبيرة من الحرس الثوري الإيراني إلى العراق لقمع التظاهرات المليونية «ثأر الشهداء» في الـ25 من تشرين الأول الجاري التي يجري الإعداد لها، تواصل مع استلام «الفريق ب» مواقعه في المحطات ذاتها بعد أن توقفت الاحتجاجات، مؤكداً أن الـ100 متظاهر الذين حضروا إلى مجلس النواب لعرض مطالبهم لا صلة لهم بالمتظاهرين الحقيقيين، مشككاً بجدية حزم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة تلبية لمطالب المتظاهرين، ومروجاً إلى أن أكثر من 4000 متظاهر معتقل في السجون العراقية، مع أن المتحدث الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى كان قد أعلن في بيان له في الـ13 من تشرين الأول الجاري، أن عدد الموقوفين هو 21 في عموم العراق، مكررين نغمة أنه ليس أمام العراقيين إلا «إسقاط النظام».
إنها سذاجة تخفي خبثاً وسوء نوايا لا سوء فهم أو تقدير، فنظام الحكم في العراق وفق دستوره «جمهوري نيابي»، وإسقاط الحكومة وحل المجلس النيابي المنتخب له إجراءاته الدستورية، وللإنصاف لا يمكن تحميل الحكومة الحالية كل تقصير وأخطاء الحكومات السابقة، كما لا يمكن الأخذ بفكرة استقالة الحكومة التي تأخر تشكيلها نحو 5 أشهر قبل عام ببساطة، وخاصة أنها ظلت بلا وزير تربية حتى الـ10 من تشرين الأول الحالي، حيث منح المجلس النيابي الثقة له!
«الفريق أ» و«الفريق ب» معظمهم من بقايا أيتام نظام صدام حسين المقيمين في الدول الخليجية والغربية، أخصائيون في دفع «المجاهدين» إلى الساحات للقتل، وخبراء في التضليل والتحريض على الفوضى، أغلبهم سبق أن شارك ومن ذات الفضائيات بتغطيات إعلامية مشبوهة ومشوهة لما جرى من أحداث في سورية في بداية أزمتها، متناولين ما كان يجري بالطريقة ذاتها، ولديهم نزعة مخيفة ورغبة مريضة في مشاهدة الدماء تسيل في العراق وسورية على وجه الخصوص، ساعين إلى إشغال العراق والمنطقة بالدم والفوضى وسياسة المنشار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن