من دفتر الوطن

لأبناء أمي وأمتي

| حسن م. يوسف

استغرب بعض الأصدقاء صمتي إزاء الحراك الذي يجري في لبنان، وقام بعضهم بتوجيه ملاحظات جارحة لي، وقد بلغ عدم اللطف بأحدهم لأن يقول لي إنني قد «ختيرت»… و«فقدت شجاعة روحي».
يعلم قارئي المتابع أنني كنت وما أزال أحاول عدم الكتابة عن أي موضوع لا أعرفه جيداً، وأنني لا أفكر بصحة كلماتي وحسب، إذ إنني أعتبر أن مسؤوليتي لا تنحصر في صحة المعلومة التي أقدمها، بل تمتد لتأثير تلك المعلومة في المجتمع، فمهمة الكتابة بالنسبة لي كانت دائماً كوظيفة الألم في الجسد البشري يجب أن تشير إلى مكمن الخطر والخطأ.
أعترف أنني لست مطلعاً تماماً على كل أبعاد معاناة إخوتنا لا في لبنان ولا في العراق، إلا أن معاناة أبناء هذين البلدين الشقيقين ليست جديدة ولا مستجدة! فلم الآن؟ صحيح أنني لا أملك معلومات موثقة عن تدخل المخابرات المركزية وغيرها في الحراك الذي يشهده هذان البلدان، فما يجري له أسبابه المنطقية المحلية العميقة، لكنني والحق يقال لا أستطيع أن أنحي من عقلي أن هدف القوى الخفية هو كسر قوس المقاومة الممتد من إيران إلى العراق فسورية فلبنان. وهناك معطيات حقيقية ترجح هذا.
ثمة قانون كلي الصحة في الإعلام يقول: «اقرأ الافتتاحية لتعرف من السيد» فالإعلام يصب مياهه حيث يريد من يمولونه، أما الإعلام الخاص فلا يقدس شيئاً سوى الربح! وقد لفت انتباهي أن العديد من المحطات اللبنانية الخاصة التي تعيش على الإعلانات، قد فتحت بثها لتغطية الحراك وإذكاء ناره دون إعلان! بحيث تخسر الواحدة منها في اليوم ما يقارب مليون دولار حسب تقديرات المختصين! والسؤال الملح هو من يغطي لتلك المحطات خسائرها؟
أعلن دون تردد أنني أجل الأديان جميعاً لأنها كلها من دون استثناء تدعو معتنقها لمكارم الأخلاق كي يكون إنساناً أفضل، لكن بعض المتدينين لا يأخذون من الدين سوى ما يشبههم ويتوافق مع أغراضهم وأمراضهم، وكثيراً ما يحيد هؤلاء عن درب الحق بحيث تزين لهم أهواؤهم أنهم وكلاء الله على الأرض، وأن مهمتهم جعل بقية مخلوقات الله نسخاً عنهم!
كنت دائماً ضد تلويث الدين بالسياسة، فالدين علاقة بين المخلوق والخالق، بينما تهدف السياسة لتنظيم العلاقة بين المخلوق وبقية المخلوقات التي تشاركه في الوطن! لذا دعوت وأدعو أبناء وطني للتمسك بما يجمعهم ونبذ مايفرق صفوفهم، وقد توصلت بعد تفكير طويل إلى أن التركيز على المفهوم الديني يحولنا إلى عقائد وطوائف ومذاهب متنافرة، وأن التمسك بالمفهوم العرقي يحولنا إلى قوميات وإثنيات وقبائل وعشائر. فالمفهوم الوحيد الجامع الذي يمكن أن يوحدنا هو العروبة كثقافة لا كعرق. وقد جاء في الحديث أن نبينا المعظم قد قال: «أيها الناس، إن الربّ واحد والأب واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي». وفي ضوء كلام كهذا قلت سابقاً إن دول منطقتنا العربية تستطيع الخروج من التاريخ كل واحدة بمفردها، لكنها لن تدخل التاريخ إلا مجتمعة.
أمس استيقظت قبيل الفجر وكتبت على الورقة التي أضعها إلى جانب سريري: أسفي علينا، خلال نومنا نرى أحلام غيرنا، وعندما نستيقظ نفسر تلك الأحلام في ضوء عنعناتنا وانفصاماتنا فنحولها إلى كوابيس لنا ولأبنائنا. شردت في عمري، تذكرت كلمات كنت قد كتبتها في دفتر ملاحظاتي قبل زهاء عقدين: «الحق موزع في الناس، لذا يظن كل واحد منهم، أن الحق معه!» نعم أجزم أن شباب لبنان والعراق معهم حق لكنني أود أن أهمس لهم:
يا أبناء أمي وأمتي، دافعوا عن حق أوطانكم الموزع فيكم، لاعن حصة كل واحد منكم من ذلك الحق، لأن من يطالبون بحصتهم من خشب السفينة التي يبحرون فيها يحكمون عليها وعلى أنفسهم بالغرق!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن