قضايا وآراء

الحزم الروسي أسهم في إحباط مخطط إسقاط سورية وتفتيتها

صياح عزام :

لا شك أن التصعيد الأخير في الموقف الروسي إلى جانب سورية، والذي تجسد بأكثر من صورة، منها: التصريحات الإعلامية التي جاءت على لسان رأس النظام الروسي فلاديمير بوتين أو على لسان مسؤولين روس آخرين، مؤكدة دعم روسيا لسورية، ومنها تزويد سورية بأسلحة نوعية جديدة، كل ذلك لم يأت من فراغ، بل استند إلى مرتكز أساسي، وهو أن موسكو رصدت نيات أميركية- غربية لإسقاط الدولة السورية بالقوة عبر استخدام قوات برية أوروبية وتركية مع دعم جوي أميركي مكثف، وإقامة منطقة عازلة في شمال سورية عاصمتها حلب. وطبقاً لما تناقلته أوساط دبلوماسية مطلعة، فإن هذا التصور كان حصيلة محادثات بين تركيا ودول أوروبية والولايات المتحدة بمشاركة إسرائيلية عن بعد، في موازاة مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران لبدء مرحلة تفتيت سورية. وفي هذا السياق، لجأت حكومة أردوغان السفاح إلى قذف مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أوروبا، ليشكل هذا الأمر ورقة ضغط على أوروبا للقبول بإقامة منطقة عازلة في شمال سورية، بعد أن شعر الأتراك أنهم باتوا على هامش الأزمة السورية، وبأنه صار هناك خطر نقل العدوى إليهم بعد أن فقدوا التأثير الميداني في العديد من المجموعات الإرهابية المسلحة المرتبطة بهم، وبعد أن ازدادت مظاهر التمرد والعنف في المناطق الكردية المرتبطة بمناطق الأكراد في سورية والعراق، ولم تعد لهم أي تأثيرات في سورية، خاصة أن حلفاءهم من جماعة الإخوان المسلمين لا نفوذ ميدانياً لهم، ولهذا كله، فتح أردوغان أبواب مطاراته وقواعده الجوية بعد طول تعنت ومماطلة أمام الطائرات الأميركية لمحاربة (داعش) الإرهابي.
بالطبع، أحبط الموقف الروسي الحازم مؤخراً المخطط الغربي هذا في مهده، وجعل الأميركيين يتراجعون عن تنفيذه بعد أن شعروا بجدية موسكو في استخدام القوة العسكرية الكاملة لحماية الدولة السورية من محاولات إسقاطها ومحاربة تنظيم داعش الإرهابي، باعتبار أن سورية تدخل ضمن إطار الأمن القومي الروسي، وخاصة أن هناك آلافاً من الروس ينخرطون في صفوف داعش، وسيتم استخدامهم لاحقاً لزعزعة الاستقرار داخل روسيا، ولهذا تراجع الموقف الأميركي باتجاه سورية، وتجلى هذا التراجع بطلب واشنطن إجراء مفاوضات عسكرية مع روسيا، وببدء وزير الخارجية الأميركية كيري بالتحدث عن ضرورة مشاركة الرئيس بشار الأسد في عملية التفاوض للوصول إلى حل سياسي في سورية، بمعنى أن واشنطن تخلت عما رددته طويلاً حول ضرورة تنحي سيادته عن الحكم، على حين أن روسيا كما هو معروف للجميع كانت وما زالت تقول إن الشعب السوري هو الذي يحدد من يحكمه، ولا يجوز لدول أخرى أن تصادر هذا الحق الطبيعي لشعب سورية وتنصب له حكاماً، إضافة إلى ذلك، شعرت روسيا أن الغرب يستهدف مصالحها في سورية وغيرها، وأنه يسعى جاهداً لإخراجها من اللعبة الشرق الأوسطية، وفي الوقت نفسه، أرادت روسيا التأكيد لحلفائها بأنها تقف فعلاً إلى جانبهم في الشدائد، وأنها لا يمكن أن تحذو حذو الولايات المتحدة التي تضحي بحلفائها وتتخلى عنهم لقاء حماية مصالحها الخاصة.
إن هذا الموقف الروسي الحازم الذي يؤكد أن محاربة الإرهاب في سورية له أولوية، أخذ يلاقي المزيد من التفهم من الغرب والمزيد من التأييد له، لأن هذا الإرهاب لن يجلب لسورية إلا المزيد من الويلات والكوارث، إلى جانب أن خطره أخذ يهدد العالم بأسره.
لذلك يبدو واضحاً أن الوقت بات يعمل لمصلحة سورية وليس لمصلحة الغرب وحلفائه وأذنابه، لأن التراجعات في الموقف الأميركي والأوروبي عبر القبول بالتفاوض يعني أن مخطط تفتيت سورية وإسقاط الدولة فيها قد تم وأده في المهد نتيجة لصمود وتضحيات الشعب السوري وبطولات قواته المسلحة الباسلة، ونتيجة أيضاً لدعم سورية من أصدقائها، وفي مقدمتهم روسيا وإيران والمقاومة اللبنانية.
عموماً، لا يمكن السيطرة على تطورات الأحداث في المنطقة، لأن السياسات القائمة فيها وخاصة الأميركية قابلة للتغيير كالكثبان الرملية في الصحراء، إلا أن الموقف الروسي الأخير يعزز الأمل بالوصول إلى حل سياسي يحفظ حق السوريين في استقلال إرادتهم وقرارهم الوطني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن