ثقافة وفن

حلب تحتفي بالسهروردي الحكيم والفيلسوف … أربعون مؤلفاً في الفلسفة الإشراقية والحكمة بين الشعر والنثر

| نبيل تللو

تحتفل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في هذه الأيام، ومنذ شهر تموز الفائت عام 2019، بذكرى مرور 850 عاماً على وفاة الفيلسوف السهروردي، وكانت البداية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لتتنقل إلى حلب، حيث أُقيم احتفالٌ رسمي بالتعاون بين وزارتي الثقافة والسياحة والأمانة السورية للتنمية واللجنة الوطنية لليونسكو، ضمَّ فعاليات مختلفة. في هذه المقالة سوف نتعرف على هذا الحكيم، راجياً أن يتذكَّر كرام القارئات والقراء ما نسوه، وأن يتعرفوا على ما لا يعرفونه.

السهروردي: (549-587 هـ، 1155-1191م) هو أبو الفتوح شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك، فيلسوف وحكيم، وُلِدَ بـ: «سهرورد» إحدى نواحي قرى «زنجان» في «عراق العجم» (إيران القديمة)، شافعي المذهب، وُصِفَ بأنَّه أحد أذكياء بني آدم، كثير العِلم، كثير التعظيم لشعائر الدين، ومن أهل الكرامات، على حين وصفه آخرون بأنَّه قليل العقل وزنديق وملحد.
بدأ حياته في طلب العلم، فتنقل بين «مراغة» في أذربيجان حيث تلقى فيها أصول الحكمة والفقه على «مجد الدين الجيلي» إلى أن برع فيها، وكان للجيلي تلميذٌ نابهٌ آخر هو «الفخر الرازي»، الذي جرت بينه وبين السهروردي مناظرات ومساجلات، ثم ارتحل إلى أصبهان في وسط إيران، حيث قرأ «البصائر النصيرية في المنطق» لابن سهلان الساوي، واستقر سنواتٍ في بلاد الأمراء السلاجقة بالأناضول الذين أحسنوا استقباله، ثم دخل سورية، وأقام في حلب، حيث بدأت أهم مراحل حياته، فالتقى عظماءها وعلماءها في أيام «الملك الظاهر بن الناصر صلاح الدين»، الذي عقد لهم مجلساً ناظرهم وجادلهم فيه، فبهر علمه، وتفوَّق عليهم، فقرَّبه الظاهر واختصَّ به وصار مكيناً عنده، فحسده علماء حلب وفقهاؤها عند الملك صلاح الدين، ووشوا به وطعنوا في عقيدته، وقالوا له: «إن السهروردي سيفسد عقيدة الملك الظاهر»، فأوعز بقتله مع تخييره بطريقة تنفيذ القتل، ويُقال إنه صُلِبَ أياماً، ومات جوعاً أو خنقاً في قلعة حلب، غير أن الملك ندم على فعلته فيما بعد، وأمر باعتقال من وشوا به بهتاناً وزوراً.
تشير أفكار السهروردي إلى أنه كان ذا نزعةٍ إشراقية في تفكيره تجلَّت في كتابه: «حكمة الإشراق»، الذي جمع فيه بين منطق أرسطو وتصوف أفلاطون، وهما من الفلاسفة اليونان، مع خليطٍ من المذهب الزرادشتي القائل بعنصري النور والظلمة، فالنور عنده للعنصر الروحاني، والظلمة للعنصر المادي، وأما الذات الإلهية فهي نور الأنوار، ويقول بعض الدارسين عنه إن نزعته الفلسفية هي خليطٌ من فلسفة هرمس وفيثاغورس وأنبادوقليس، وهم من فلاسفة اليونان الذين كانوا يتفلسفون قبل سقراط.
أحصى مؤرخو سيرته نحو أربعين مؤلفاً له في الفلسفة الإشراقية والحكمة بين كلامٍ منظوم ومنثور، وأهمها «حكمة الإشراق»، الذي يتكوَّن من قسمين هما: (المنطق والإلهيات) و(الهياكل النورية)، والذي ترجمه بنفسه إلى الفارسية، وفيه تظهر جوانب فلسفته الإشراقية، و«غربة الغربية» أو «الغريبة» التي هي قصة رمزية على مثال «رسالة الطير» لابن سينا متأثِّراً فيها بقصة حي بن يقظان لابن طفيل. وله أيضاً كتاب: «تفسير آياتٍ من القرآن الكريم وخبر عن رسول اللـه»، و«كتاب في السيمياء»، «شرح الإشارات لابن سينا»، و«كشف الغطاء لإخوان الصفا»، و«التلويحيات»، و«هياكل النور في الحكمة»، و«التنقيحات في أصول الفقه»، و«الألواح العمادية»، و«المعارج»، و«اللحمة»، و«المطارحات»، و«المقامات»، و«رسالة أصوات أجنحة جبرائيل»، وغير ذلك.
وللسهروردي مجموعة منظومات شعرية ذكرها ياقوت الحموي في معجم الأدباء، منها قصيدة «نزهة الأرواح» التي مطلعها:
أبداً تحنُّ إليكم الأرواح ووصالكم ريحانها والراح
ومنها البيت:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم
إن التشبه بالكرام فلاح
وله قصيدةٌ في النفس على مثال أبيات ابن سينا، ومنها:
خلعت هياكلها بجرعاء الحمى
وصبت لمغناها القديم تشوفا
ومنها البيت:
فإذا بها برقٌ تألَّق بالحمَّى
ثم انطفا فكأنه ما أبرقا

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن