قضايا وآراء

إسرائيل ومتاهة «التحولات الإستراتيجية»

مأمون الحسيني :

ما زال القادة الإسرائيليون يصرّون، علنا أو عبر التسريب لوسائل الإعلام، أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس أركانه غادي ايزنكوت، وبقية الحاشية التي اصطحباها إلى موسكو مؤخرا، تمكنوا من إقناع الروس بـ«عدالة» المطالب الإسرائيلية، واتفقوا معهم على تشكيل لجنة للبحث في إنشاء آلية تنسيق لـ«منع خطر الاصطدام والاحتكاك بين الجيشين في الأراضي السورية»! وللإيحاء بأن الطريق ممهد للتفاهم مع موسكو حول عدم المس بـ«الخطوط الحمر» الإسرائيلية: نقل أسلحة «كاسرة للتوازن» من إيران وسورية إلى «حزب الله»، أو شنّ عمليات ضد إسرائيل انطلاقا من سورية، أكدت مصادر أمنية، وفق موقع «واللا» العبري، أن سلاح الجو الإسرائيلي بدأ، بالفعل، بإنشاء جهاز تقني يعنى بتنسيق النشاطات الجوية مع الروس فوق السماء السورية، ومنع الاحتكاك بين الجيشين.
آلية التنسيق الافتراضية التي تشيع المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بأن ثمة إمكانية لبلورتها مع الجانب الروسي للحفاظ على حرية عمل آلة الحرب العسكرية في سورية، تتمحور حول محاولة انتزاع موافقة، أو على الأقل تفهم روسيا، صراحة أو مواربة، على ما يسمّى DECONFLICTION، أي إنشاء آليات تنسيق مسبق تقلص مخاطر الاحتكاك بين طائرات إسرائيلية وأخرى من سلاح الجو الروسي. ويمكن تفعيلها عبر استخدام خطوط هواتف مباشرة «ساخنة» أو «حمراء» تربط بين قيادتي الطرفين، أو على الأقل الاتفاق على أن طائرات سلاح الجو لهذا الطرف ترسل إشارات تعريف لطائرات سلاح جو الطرف الثاني وبالعكس، وهو ما يضمر السعي للتوصل إلى آلية لتقسيم الأجواء السورية إلى مناطق نفوذ ونشاط بين الطرفين: عدم تدخل الروس في المناطق القريبة من الجولان المحتل، أو في العمليات التي ترى تل أبيب من الصواب القيام بها، وتعهد إسرائيل، في المقابل، بعدم الاقتراب من مناطق الشمال السوري!
المفارقة.
في هذا السياق المغلف بالضبابية والتضليل والتناقض، لا تتعلق بالكذب الإسرائيلي الفاضح ومحاولة خداع الذات والآخرين، وتسويق مشهد وهمي افتراضي للمستقبل تحتفظ فيه إسرائيل بمكانتها المعتادة ككيان لا تنطبق عليه معايير الشرعية الدولية، ويشكل استثناء في انتهاك سيادة الدول، وبالأخص في سورية التي أكد الرئيس بوتين أن جيشها الوطني الشرعي هو الوحيد الذي يواجه الإرهاب، وأن السبيل الوحيد لحل أزمتها هو دعم الرئيس بشار الأسد، بل تتصل، وبشكل رئيسي، بمحاولة الهروب من حقائق التغييرات الدولية النوعية الصاخبة التي تبلور ملامح النظام العالمي الجديد المتعدد الأقطاب، والتغطية على واقع تآكل الدور الإسرائيلي ومحدودية قوته العسكرية التي ستقف وجها لوجه، عاجلا أم آجلا، أمام جبهة سياسية وعسكرية وأمنية واسعة، بقيادة روسيا، على مستوى الإقليم والعالم.
ولأن القادة الإسرائيليين الذين تلقى كبيرهم (نتنياهو) تحذيراً روسياً، بوقف أي تدخل في الجبهة الجنوبية السورية، لقاء ضمانات بعدم تحويلها إلى مصدر تهديد للأمن الإسرائيلي، يدركون بعمق مغزى وتداعيات الاندفاعة الروسية و«خريطة طريق» الرئيس بوتين الذي لم يتردد في إعادة تربية الرئيسين الأميركي والفرنسي، وتذكيرهما بأنهما ليسا مواطنين سوريين حتى يكون لهما رأي في اختيار قادة سورية، قبل أن يؤكد من نيويورك أن التنسيق المفترض مع إسرائيل الذي لا حاجة لوجود هيئة خاصة به، هو لمحاربة الإرهاب، وليس لانتهاك السيادة السورية، فقد قرروا، وكما هي العادة، إعادة خلط الأوراق، والتلويح بورقة «الحزام الآمن» في المناطق المحاذية للجولان المحتل، من خلال تسخين الأجواء واستهداف مدفعية الاحتلال موقعين للجيش السوري في القنيطرة، بحجة سقوط صاروخ أطلق من سورية على الجولان من دون أن يتسبب في إصابات أو أضرار، ودفع إرهابيي «جبهة النصرة» وفصائل مسلحة أخرى، إلى إطلاق معركة جديدة في ريف القنيطرة (وبشر الصابرين) لإنجاز ما يمكن إنجازه قبل الاصطدام بجدران الحقائق الجديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن