قضايا وآراء

الجيش الإسرائيلي والواقع الراهن

| تحسين الحلبي

ما زال الجنرال الإسرائيلي المتقاعد يتسحاق بريك القائد السابق للكليات الحربية يثير جدلاً في ساحة إسرائيل والمنطقة بتحليلاته العسكرية حول «تدهور القوة العسكرية الإسرائيلية» والتحذير من عدم الإسراع في معالجة هذا التدهور.
ونشر بريك الثلاثاء الماضي تحليلاً في موقع مجلة «إنتاج المعرفة» الإلكترونية بالعبرية تحت عنوان مثير: «السير نحو الهاوية» يستهله بعرض ثغرة بين «القوة البشرية في الجيش الإسرائيلي وتنفيذ المهام المستلزمة» ويرى أن هذه الثغرة لا تتيح تحقيق الاستقرار المطلوب في وضعه ويقدر أن هذا الوضع جعل إسرائيل تصل إلى وضع عسير وربما ينقلها إلى الهاوية. ويطالب بأن تجري الحسابات حول هذا الوضع على المستوى القومي الإسرائيلي لكي تتمكن القيادة من إعادة الفاعلية للقوات البرية، ويطالب كل من يعترض على استنتاجاته هذه بتشكيل لجنة تحقيق في هذا الوضع. ويحدد تحذيراته بشكل متسلسل ويبين أن هناك تقصيراً في عدم إيقاف عجلة التدهور أمام فقدان القدرة الاختصاصية المهنية في مجالات متعددة يحدد بعضها على النحو التالي:
1- قد لا تتمكن إسرائيل خلال سنتين من المحافظة على القدرة المهنية لعدد من وحدات مخازن الطوارئ.
2- بدأ الجيش يفقد الضباط الصغار من رتبة ملازم ورائد في مختلف المجالات، فاتخاذ قرارات بتخفيض مدة خدمة المجندين وتقليص عدد آلاف الجنود النظاميين بشكل غير مقبول في السنوات الماضية أدى إلى إضرار على مستوى الجيش النظامي والاحتياط.
3- بدأت الأضرار تلحق بميدان التدريب والتأهيل.
4- بدأ يحدث تدهور في القدرة العملياتية.
5- تزايد الثغرات في تنفيذ خطط العمل بسبب تناقص القوة البشرية ذات الاختصاص وتناقص الجنود.
6- تزايد الضرر في تنفيذ عمليات الأمن المشترك على الحدود التي تحتل فيه القوات البحرية دوراً بارزاً وهذا ما يولد مضاعفات كثيرة على الأداء القتالي.
ويتابع الجنرال بريك: «هناك قانون طبيعي مفروض على الجميع ولا أحد يستطيع أن يخلق شيئاً من لا شيء، ولا أحد يستطيع أن يجعل السمك يعتاد على حياته من دون ماء. فقد جرى في السنوات الماضية تخفيض غير مسؤول في القوة البشرية تسبب بضرر بوحدات جوهرية وأصبح حجم وحدات العمليات لا يتيح تنفيذ المهمات بحسب «التعليمات والأوامر». ويعزو أسباب هذه النتائج السلبية للقرارات الخاطئة التي تتخذها القيادة العسكرية ويحذر من استمرار هذا الوضع من دون معالجة وحلول، ويرى أن الوضع أصبح يتطلب اتخاذ قرارات فورية تتعلق بمصير الجيش والدولة، بعد نقاش مسؤول على المستوى القومي، ويحذر في ختام تحليله من عدم إجراء مثل هذا النقاش ووضع الحلول، وإذا لم يلق تجاوباً فلا مناص من تشكيل لجنة تحقيق قبل أن تظهر هذه الثغرات في أول حرب وليس بعدها.
وبغض النظر عما يراد من مثل هذه الانتقادات العلنية على وضع الجيش الإسرائيلي وهي ليست المرة الأولى التي يوجهها الجنرال المتقاعد بريك، الذي شارك في حرب تشرين عام 1973 كقائد سرية من قوات الاحتياط، إلا أن عدداً من العوامل الموضوعية حملت تأثيراتها على وضع الجيش الإسرائيلي منذ انتهاء حرب تشرين 1973 وهزيمته بعد الاجتياح الذي قام به عام 1982، وخاض فيه مجابهة مع حرب نظامية ضد الجيش السوري وحرب ضد فصائل المقاومة على مستوى حرب العصابات.
طوال فترة العقود الثلاثة الماضية لم يستطع الجيش الإسرائيلي تحقيق أهدافه على المستوى الفكري ضد جميع القوى التي تصدت له وتناقصت قدرة الردع التي يعدها أهم ركائزه في المحافظة على تفوقه.
وفرضت عليه المقاومة اللبنانية توازناً في الردع والرعب استفادت منه على حساب قوته مثلما فرضت قوى محور المقاومة في جبهة الشمال قدرة ردع متزايدة بعد انتصار الجيش السوري وحلفائه على أكبر الحروب ضد سورية في التاريخ المعاصر.
لذلك يعترف رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق عاموس يادلين بأن استمرار وجود وتزايد أسلحة المقاومة في الشمال والمقاومة في قطاع غزة في الجنوب، يشكل أكبر التحديات التي لم يستطع الجيش الإسرائيلي التخلص منها حتى الآن، ناهيك عن إيقاف تزايد قدراتها لأنها ستكلف ثمناً باهظاً لإسرائيل في الخسائر البشرية وفي انتقال الحرب إلى جبهتها الداخلية، ولاشك أن هذه الأسباب موضوعية حتى لو لم يتطرق إليها الجنرال بريك في انتقاده للجيش الإسرائيلي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن