قضايا وآراء

لا نستطيع أن نتحمل أكثر من ذلك!

د. بسام أبو عبد الله :

قد تكون هذه العبارة مفتاحية في خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فمن ذا الذي سيتحمل كذب، ونفاق أميركا وحلفائها في التعاطي المتهور مع شعوب المنطقة، ودولها الذي أنتج كوارث حقيقية، ودماراً هائلاً، وقوى «ديمقراطية» جديدة مثل «داعش، النصرة، أحرار الشام، جيش الإسلام، جيش المهاجرين والأنصار، الجيش التركستاني، مجموعة الأوزبك، مجموعة الطاجيك،.. الخ»، كما أنتج خطاباً لا يمكن للعقل والواقع أن يتعاطي معه مثل اسطوانة: أن وجود الرئيس بشار الأسد هو الذي جلب داعش.. والتكفيريين! وهو الخطاب الذي يكرره الصعلوكان خالد العطية وزير خارجية آل ثاني، وعادل الجبير وزير خارجية آل سعود، والأنكى من ذلك أن وزير خارجية آل سعود يتحدث عن دولة مدنية ديمقراطية في سورية، وليس في السعودية أو البحرين أو قطر…هل بإمكان أي منا أن يتحمل ذلك!!
-خطاب بوتين وضع النقاط على حروف كثيرة كانت تائهة- ضائعة في غياهب ديمقراطية «هولاند- وكاميرون، وآل ثاني، وآل سعود، وأردوغان» الذين تتساقط أوراقهم في كل يوم مع استمرار الصمود السوري الأسطوري، ويشعرون بالغيظ والحنق من صمود بشار الأسد، وجيشه، وشعبه، ويدورون في حلقة مفرغة لن تخرجهم من التيه الذي دخلوا فيه، ومن السقوط المحتم من أعلى الشجرة التي تسلقوها..
كلام الرئيس بوتين كان واضحاً في تحليل الواقع، وتقديم الوصفة المناسبة له خارج إطار ما تريده واشنطن، وخارج إطار أمنيات حلفائها، وهنا دعونا نقرأ بعض النقاط المهمة:
1- الولايات المتحدة، والغرب مسؤول مسؤولية كاملة عما آلت إليه الأوضاع في الشرق الأوسط بسبب منطق الهيمنة، والغطرسة، والسعي لحل النزاعات من خلال استخدام القوة، وهم يتحملون مسؤولية تدفق الإرهابيين بعد عدوانهم السافر في العراق، وليبيا… وسورية أيضاً الأمر الذي أدى إلى تدمير مرافق الحياة، ومؤسسات الدولة في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وانتشار العنف، والفقر، والكارثة الاجتماعية، وتجاهل حقوق الإنسان بما فيها حقه في الحياة…
2- ما يجري في سورية هو (عدوان إرهابي) وليس صراعاً مع معارضة، إذ إن ما يسمى (المعارضة المعتدلة) في سورية حسب التوصيف الأمريكي ليسوا إلا عناصر يتم تدريبهم، وتسليحهم لينتقلوا لاحقاً إلى داعش وهو تنظيم إرهابي تمت تربيته كوسيلة لإسقاط أنظمة غير مرغوب فيها، وهذا التنظيم يتوسع في مناطق متعددة في الشرق الأوسط، والعالم…
3- لا وجود لأي قوة فعالة أخرى تواجه داعش سوى الجيش العربي السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد، ويجب الانطلاق من هذه الحقيقة، وعلى كل العالم أن يساعد الحكومة الشرعية في سورية، والعراق، ومؤسسات الدولة في ليبيا، وهو ما يعني أن خيارات أمريكا، وحلفائها في خلق بنى قتالية لمحاربة داعش قد سقطت، وانتهت، وهي ليست إلا وهماً كما قال الرئيس بشار الأسد في إحدى مقابلاته الصحفية… وعدم التنسيق مع دمشق ترى فيه موسكو خطأ فادحاً…
4- لا يمكن الحديث عن خطر الإرهاب العالمي من جهة، والتغاضي عن قنوات التمويل، بما فيها تجارة الأسلحة، وتجارة النفط غير الشرعية من جهة أخرى، وهو أمر ترى فيه موسكو معايير مزدوجة، ونفاقاً في مكافحة الإرهاب، لا يمكن السكوت عنه، واستمرار هذا الواقع إلى مالا نهاية، وخاصة أن مخاطر الإرهاب ليست في سورية، والعراق، وليبيا فقط، إنما أصبحت تهدد الأمن القومي الروسي، والصيني، والأوروبي، وهو أمر لا يمكن السكوت عنه بعد الآن…
إن هذا التحليل المنطقي، والواقعي لم يكن فقط كلاماً ضمن خطاب تنظيري، إنما سبقه دعم جوي، وتقني، وعسكري للحكومة السورية الشرعية بناءً على طلبها، وضمن إطار احترام قواعد القانون الدولي الذي يتحايل عليه الغرب حينما يحارب داعش في العراق بالتنسيق مع الحكومة العراقية، ويمارس الشيء نفسه في سورية دون التنسيق مع حكومتها، ورئيسها لأنها لا تروق له، ولا تنسجم مع مخططاته…
الحرب على الإرهاب تدخل مرحلة جديدة بقيادة روسية، سورية، إيرانية عراقية مع حزب الله تقلب الطاولة على مدعي محاربة الإرهاب الذين يريدون للإرهاب أن يخدم مصالحهم لتغيير الأنظمة، والإتيان بأنظمة سياسية موالية للمشروع الأمريكي- الغربي، وهذا الأمر أصبح مفضوحاً ولا يمكن تحمله بعد الآن- كما قال الرئيس بوتين…
من راقب كلام الرئيس بوتين خلال العامين الأخيرين فإن عليه أن يتذكر مقاله في نيويورك تايمز الأمريكية في أيلول 2013 عندما قال بوضوح: (ما يجري في سورية ليس كفاحاً من أجل بسط الديمقراطية، فهناك مؤيدون قلائل للديمقراطية في سورية، ولكن هناك ما يكفي من مقاتلي القاعدة، والمتطرفين من جميع المشارب يقاتلون الحكومة، وهذا الصراع الذي غذته الأسلحة التي تقدم للمعارضة، أحد أكثر الصراعات دموية في العالم)..
في مقاله ذاك لم يخف بوتين مخاوفه من عودة الإرهابيين، وانتقالهم إلى مكان آخر، ومنها روسيا، الأمر الذي يشكل تهديداً للأمن القومي الروسي بوضوح وصراحة.
الأهم أن بوتين انتقد ما يروج له الأميركان دائماً من (استثنائية) الولايات المتحدة بالقول: (إنه لمن الخطير للغاية تشجيع الناس على رؤية أنفسهم استثنائيين مهما كانت الدوافع.. هناك دول غنية ودول فقيرة، وهناك دول كبيرة، وأخرى صغيرة، وبعضها يسعى للديمقراطية وبعضها حقق الديمقراطية.. هناك اختلافات بالتأكيد هنا- وهناك ولكن يبقى شيء واحد مهم: هو أننا حين نتوجه بالدعاء إلى الله ليباركنا فإن علينا ألا ننسى أنه خلقنا جميعاً متساوين).
المشكلة أن بعض حلفاء أميركا يعانون المرض نفسه أي الاستثنائية وهذا المرض (بريطاني- فرنسي) من خلال الاستعلاء، والتنظير على الدول والشعوب فيمن يحكمهم، ومن يبقى، ومن يرحل، والطريف أنهم يتحدثون عن الديمقراطية، ويقررون عن الشعوب في الوقت نفسه.
يبدو أنه حتى حلفاء أميركا الصغار تلبسوا الدور، وبدؤوا ينظرون على السوريين في الديمقراطية، والحريات، وحقوق الإنسان، وأيديهم ملوثة بدماء الشعوب، بما فيها شعوبهم، وإنه لمن المقرف أن نستمع مثلاً إلى أمير (شركة قطر المساهمة) وإلى وزير خارجيته وهو يتحدث عن (الاستثنائية) القطرية، وتجربتهم الديمقراطية التي نحتاجها في سورية، أو إلى عميل اللوبي الصهيوني في أميركا عادل الجبير- الذي يعمل برتبة موظف لديهم، وهو يتحدث عن سورية مدنية، وديمقراطية!!! من دون أن يرف له جفن، ومن دون أن يخجل من مأساة الحج التي رأينا فيها مدنية، وديمقراطية وشفافية آل سعود!!
فعلاً معه حق الرئيس بوتين (لا نستطيع أن نتحمل أكثر من ذلك…).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن