ثقافة وفن

فارس زرزور.. عاشق للكتابة لم يفارقها

| أنس تللو

أديب متميز من أدباء القرن الماضي، أنفق روحه واعتصر جسده في ما عاش وفي ما كتب، وحين غاب عن الحياة غُيِّبَ ذكره.
فارس زرزور حالة استثنائية متفردة في شخصيته وأدبه وعطائه ومزاجيته، هو كاتب مقاومة كبير، أسهم في إرساء أدب المقاومة مبكراً، وهو في مقدمة كُتَّاب أدب المقاومة العرب.
كان غزيراً في أدبه، عميقاً في معانيه، يحمل في نفسه فلسفة خاصة كانت تدفعه إلى التوحد في تفكيره ضمن إطار من الانعزالية وعدم التشارك.

أناخت عليه الأيام بمشاكل عائلية وبابن مريض، فعاقر خمور الوحدة وعانى شظف الحرمان وأهمل مظهره الخارجي وغدا لا مبالياً… فلم ينل ما يستحقه من الاهتمام، وأعرض عنه كثير من زملائه ومعارفه… ونسيته الصحافة أو تناسته لما صار إليه.
ولد فارس زرزور في دمشق عام 1930، وهو من أبرز كتّاب الأدب الواقعي، ومن أهم كتّاب الرواية التاريخية في الأدب السوري المعاصر، وقد نشأ في حي شعبي في دمشق، وتعلّم سنتين في (الكتّاب)، وثلاث سنوات في مدرسة إسلامية، وحاز شهادة (السرتفيكا)، ثم فاز بمنحة للدراسة المجانية.
وقد فوجئ فارس زرزور في صغره بأن والده رفض منحة التعليم المجاني، ودفعه للعمل في دكاكين سوق البزورية، فلبى رغبة أبيه ثم عاد بعد حين إلى الثانوية التجارية ونال شهادة (البروفيه) الإعدادية عام 1945، وواصل تعلمه رغم قسوة العيش فنال الشهادة المتوسطة في عام 1947 وعين معلماً في محافظة الجزيرة، ثم نال الشهادة الثانوية في عام 1949، وانتسب إلى الكلية العسكرية.
قام في الخمسينيات بعدة رحلات إلى لبنان والعراق والكويت، كما أقام مدة قصيرة من الزمن في مصر بصفة ملحق عسكري، والتقى فيها نجيب محفوظ ويوسف إدريس وإحسان عبد القدوس، ثم سُرِّح من الجيش في عام 1959 مع بداية عهد الوحدة.
أما عن أدبه فقد بدأ زرزور خطواته الأولى في مجال الكتابة القصصية منذ النصف الثاني من أربعينيات القرن العشرين، ونشر بعض قصصه منذ عام 1950 في مجلة (الجندي) التي كان ينشر فيها صلاح دهني وحسيب كيالي ومواهب كيالي وميلاد نجمة وشوقي بغدادي وعادل أبو شنب وغسان الرفاعي ومحمد مهدي الجواهري، ثمَّ أخذ يخالط هؤلاء الكتَّاب، ويتأثر بالتيار العالمي الغالب في ذلك الحين، وهو اليسار واليسارية.
كتب عدداً من القصص القصيرة، منها: (حتى القطرة الأخيرة) (اثنان وأربعون راكباً ونصف) (لاهو كما هو، ولاشيء مكانه) مجموعة (أبانا الذي في الأرض).
وقد بلغ من عشقه للكتابة أنه كان يكتب في كل مكان… ففي الجبهة كتب قصة (شجرة البطم) التي فازت بالجائزة الثانية لمجلة الجندي، ونال عليها مكافأة 100 ل.س؛ وكان حين تناله عقوبة سجن في الجيش يكتب قصة أو رواية، وفي إحدى العقوبات كتب قصة (السجين).
وقد لاحقته العقوبات في حياته بتهمة انتمائه (لليسارية)، إلى أن تم تسريحه من الجيش في أثناء الوحدة السورية ـــــ المصرية 1958 ـــــ 1961.
وقد بلغ من روعة عطائه أن تُرجمت بعض مؤلفاته إلى العديد من اللغات، وكان بعضها يُدرَّس في بعض جامعات فرنسا وإيطاليا وألمانيا الديمقراطية.
ومن أروع ما كتب زرزور روايته التاريخية الثلاثية التي تحدث فيها عن نضال الشعب العربي السوري ضد الاستعمار الفرنسي، وهي: (حسن جبل) و( لن تسقط المدينة) و(كل ما يحترق يلتهب) عام 1986.
وفي هذه الثلاثية يتمكن فارس زرزور من تحليل جوانب مختلفة من أشكال وصور النضال ضد المستعمر الفرنسي، وذلك عبر مجموعة من الشخصيات نساء ورجالاً، وقد صورت هذه الرواية مقاومة الشعب السوري للاستعمار الفرنسي بشكل واقعي أخاذ.
ولعله من المؤسف أن نقول: إن الإهمال قد لحق بالكاتب الروائي المبدع فارس زرزور منذ ظهور قصته الأولى في العام 1948 وحتى تشييعه إلى مثواه الأخير في الرابع والعشرين من كانون الثاني (يناير) من العام 2003.
إذ على الرغم من اعتراف النقاد العرب بأهمية إسهامه الإبداعي، فقد تم إهماله في بلده.
والأمر الغريب هنا أن هذا الإهمال كان يأتيه من طرفين، الأول من الدارسين والباحثين والنقاد، والثاني من اتحاد الكتاب العرب.
ومما يذكر أنه يعزو البعض إهمال النقاد السوريين نتاج فارس زرزور الأدبي إلى مزاجيته وعبثيته وعدم انضوائه تحت جنح شلة أو حزب رغم ميوله الاشتراكية والقومية الواضحة في أدبه.
توفي في دمشق وكانت وفاته مفاجئة، وتم تشييعه إلى مثواه الأخير في الرابع والعشرين من كانون الثاني (يناير) من العام 2003، وسط إهمال الزملاء والأصدقاء، حيث لم يسر خلف جنازته إلا القلة النادرة من الأدباء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن