قضايا وآراء

شمال شرق سورية.. الإخفاق

| مازن بلال

الأزمة السورية معلقة اليوم بانتظار توازن مختلف كلياً عن أي مراحل سابقة، فهناك تضارب سياسات واضح داخل الأدوار الدولية، على حين تبدو تركيا كلاعب إقليمي أكثر نشاطاً في عملية الضغط على جميع الأطراف، ورغم أن أنقرة ضمن المشهد الإقليمي العام تظهر كمنتصر في مسألة «المنطقة الآمنة»، لكنها في المقابل وصلت إلى نقطة حرجة في تعاملها مع شمال شرقي سورية، وربما سنشهد لاحقاً إجراءات مختلفة لمحاولة إعطاء هوية للمناطق التي احتلتها، فرفع العلم التركي لم يغير الكثير من حيث الشرعية ولا من جهة جعل هذه المنطقة «آمنة» وفق أقل المعايير.
عملياً فإن تركيا تحاول تخفيف الضغط داخل عملياتها العسكرية عبر منح الفصائل العاملة تحت إمرتها مساحة تحرك، فالصورة التي تنقلها عن وجود «جيش» من «المعارضة السورية» يدير تلك المناطق؛ لم ينقل العملية التركية إلى مرحلة جديدة وبقيت المناطق التي تحتلها جغرافية للحرب، ويصعب وفق هذه الحالة نقل اللاجئين السوريين على أراضيها إلى تلك المناطق، وما دام الأمر على هذه الصورة فإن الميليشيات الموجودة في الشمال الشرقي ستتحول تدريجيا إلى «فصائل استنزاف»؛ هدفها الوحيد الحفاظ على وجودها عبر معارك مستمرة.
تتسم هذه التحركات التركية بسمة وحيدة هي إيجاد واقع للتفاوض مع دمشق، فالشريط الذي احتلته سيتحول تدريجياً إلى مساحة غير آمنة عسكرياً، ولكنها على المستوى السياسي هي ورقة تفاوض داخل العملية السياسية بأكملها، فهي تتعامل مع وظيفتين أساسيتين:
– الأولى ضمان تفرد أنقرة بامتلاك بقعة جغرافية سورية في مقابل قوات «قسد»، ففي أي لحظة تدخل «قسد» إلى صلب العملية السياسية يمكن لتركيا لعب ورقتها عبر الفصائل التابعة لها على طول الحدود السورية.
تتمثل خطورة هذه الوظيفة في الحزام السوري الشمالي الذي يمكن أن يحاصر أي حل سياسي، فهو «منطقة عازلة» وليست آمنة تجعل من المستحيل خلق وضع مستقر في الجزيرة السورية، ففي النهاية سيشكل الواقع العسكري لهذا الشريط المبرر لبقاء «قوى» عسكرية أخرى مثل قسد، ومن الممكن أن تتشكل «قوى» جديدة على طرفي هذا الشريط بشكل يؤجل أي حل سياسي قادم.
– الثاني عزل الحل السياسي القائم حالياً في جنيف عن مشكلة شمال شرق سورية، فأنقرة والولايات المتحدة أيضاً لا تريدان إدخال «قسد» في العملية القائمة اليوم، فالدستور سيظهر على مشهد سوري ناقص إن صح التعبير.
تختلف أسباب كل من أنقرة وواشنطن في مسألة إشراك القوى الكردية في شمال شرق سورية بمسألة الحل السياسي، فبينما تريد تركيا محاصرة الأكراد سياسياً عبر الاعتراف بمعارضة من لون واحد ومدعومة من قبلها، فإن الولايات المتحدة تريد الاحتفاظ بـ«قسد» على مساحة من التوتر، تبقي الحدود السورية العراقية غير متاحة بالنسبة لإيران، فمعركة الإدارة الأميركية في العراق ولبنان وشمال شرق سورية تبدو مترابطة بشكل أو بآخر، وتريد «بقعاً» ساخنة على أقل تقدير تفادياً لظهور مجال حيوي في غرب إيران يصلها إلى شواطئ المتوسط.
حتى اللحظة فإن الإخفاق في شمال شرقي سورية يتمثل في ادعاء جميع الأطراف بالتوصل إلى حل بشأن «العملية العسكرية التركية»، على حين على الأرض يزداد الواقع توتراً وتعقيداً في مواجهة عملية سياسية في جنيف؛ تضع دستوراً على إيقاع توازنات متبدلة، فالتوافق على الدستور بين الأطراف الموجودة لا يكفي ما دامت الجغرافية لا تزال غارقة بتحولات لم تستقر بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن