شؤون محلية

القضاء والتشريع

| نبيل الملاح

أتحدث في هذا المقال عن بعض الأمور المتعلقة بالسلطة القضائية، وسأطرح بعض التساؤلات حسب ما تواردت من ذاكرتي بغض النظر عن الأهمية والأولوية، وهي في مجملها أسئلة موضوعات متراكمة بالتجربة والممارسة تهدف إلى الارتقاء بمؤسسة القضاء إلى المستوى الذي يجعلها محل ثقة واحترام الجميع وملاذهم الآمن، ويبعدها عن بؤر الفساد المنتشرة في كل مؤسسات الدولة والمجتمع.
بداية لا بد من تأكيد أن المدخل الرئيسي للإصلاح وإعادة بناء مؤسسات الدولة بناءً سليماً عصرياً، هو محاربة الفساد الذي أصبح وباء هذا العصر ومرضه العضال، وأن القضاء على الفساد بكل أشكاله يتطلب صياغة مشروع وطني متكامل بعيداً من التنظير والغوغائية.
وإن القضاء هو الجهة المعنية قانوناً بمحاسبة الفاسدين والمفسدين وتطبيق حكم العدالة عليهم، وهذا الأمر يتطلب إزالة الشوائب كافة التي لحقت بالقضاء وأصابته في الصميم بسبب التراخي في محاسبة القضاة الفاسدين والاكتفاء بصرفهم من الخدمة.
إن واقع القضاء اليوم يتطلب استنفاراً لدى مجلس القضاء الأعلى لإعادة تقييم القضاة وفقاً لمعايير دقيقة يتم وضعها بمشاركة كبار رجال القانون والقضاة المتقاعدين المشهود لهم بالعلم والخبرة والنزاهة، وتعديل قانون السلطة القضائية ليتضمن النصوص والأحكام التي تساعد مجلس القضاء الأعلى في النهوض بالقضاء ومراقبة أداء القضاة ومحاسبة الذين يثبت انخراطهم في عمليات فساد ومحاكمتهم كغيرهم من المرتكبين، وكذلك المقصرون منهم.
وسأطرح فيما يلي بعض الأمور والموضوعات والتساؤلات التي لا بد من معالجتها والإجابة عنها، ليتمكن القضاء من النهوض بمسؤولياته على أكمل وجه:
1- تعديل قانون أصول المحاكمات المدنية بما يحقق إنجاز البت بالدعاوى بأسرع وقت ممكن وتجاوز الشكليات التي لا تؤثر في الموضوع وأصل الحق، ووضع الأحكام التي تضمن رفع الحجز الاحتياطي بيسر وسهولة في حال عدم رفع دعوى بأصل الحق خلال المدة القانونية وإلزام المدعي طالب الحجز بضم دعوى الحجز المرفوعة لدى قاضي الأمور المستعجلة إلى دعوى أصل الحق، وإعادة النظر ببعض الأحكام الناظمة لدعاوى المخاصمة بما يؤدي إلى عدم قبول دعوى المخاصمة شكلاً قبل التأكد من وقوع الغش أو التدليس أو خطأ مهني جسيم وعدم طلب الملف التنفيذي في القضايا المدينة والتجارية قبل الحكم بقبول الدعوى شكلاً منعاً لاستغلال ذلك في تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية المكتسبة الدرجة القطعية والصالحة للتنفيذ.
2- إضافة باب إلى قانون أصول المحاكمات المدنية يتضمن الأحكام المتعلقة بعمل المصفي القضائي للشركات لدى دوائر التنفيذ والمحكمة التي عينته، وإعادة النظر بالأحكام المتعلقة بتصفية الشركات وعمل المصفي الواردة في قانون الشركات.
3- حصر سلطة القاضي في الحكم بالدعاوى والقضايا المتطورة أمامه وفقاً للقوانين والتشريعات النافذة، وفي حال وجود نص قانوني يحتاج إلى تفسير فإن ذلك يجب أن يتم من السلطة التي أقرت القانون أو الهيئة العامة لمحكمة النقض أو إدارة التشريع لدى وزارة العدل – حسب الحال – ولا يجوز أن يقوم القاضي بتفسير نص قانوني بحكم يصدره خلافاً لغاية المشرع وقصده وما جاء في الفقه القانوني.
4- التركيز على أن القضاء مؤسسة عدل وإنصاف وليس مؤسسة اصطياد المتقاضين بأخطاء لا قيمة لها على موضوع الحق المدعى به، وهنا أسأل: هل يجوز للقاضي أن يرتكب أكثر من خطأ مهني جسيم دون محاسبة ومساءلة وعزل من القضاء؟!
5- التأكيد على أن حق المحامي بالدفاع عن موكله يجب أن يكون ضمن إطار الأصول والقانون وعدم استغلال بعض النصوص القانونية لإطالة أمد التقاضي وتمييع أو تعطيل تنفيذ الأحكام القضائية وإعادة الحقوق لأصحابها.
وللحديث تتمة.

باحث ووزير سابق

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن