قضايا وآراء

أردوغان وترامب والانسحاب من سورية

| تحسين الحلبي

يبين المتخصص بالشؤون التركية في مركز مارشال الألماني التابع للولايات المتحدة نيكولاس دانفورث أن دولاً عديدة «حاولت في أعقاب انتهاء الحرب الباردة في بداية التسعينيات التأكيد على دورها كدولة إقليمية تريد تحقيق المزيد من المصالح بواسطة جهودها دون الخروج عن أطر تحالفاتها مع الولايات المتحدة والغرب، وكانت تركيا في الشرق الأوسط أبرز من سار في هذا الطريق».
الحقيقة أن أردوغان وجد منذ عام 2003 ومباشرة بعد غزو العراق بأكثر من 200 ألف من القوات الأميركية والغربية، أن وجود كل هذه القوات البرية سيقلل كثيراً الحاجة إلى دور له في الأطلسي أو في سياسة التدخل العسكري الأميركي وسوف يؤدي ذلك إلى تخفيض أهمية تركيا والمصالح التي تمنحها لها واشنطن في المنطقة، وهذا ما جعله يتخذ سياسة جديدة ظهرت بعد سنوات على احتلال العراق بمحاولة الظهور بمظهر من ينتقد السياسة الإسرائيلية ويدعم حقوق الشعب الفلسطيني عن طريق تبنيه لحركة حماس، وكان الهدف الرئيس من هذه السياسة هو إقناع واشنطن بضرورة إعطائه دوراً إقليمياً رئيساً ومصالح متزايدة في الجوار وبخاصة بعد تبني الرئيس الأميركي لأردوغان في تنفيذ خطة دعم العمل على إسقاط الدول الوطنية والقومية واستبدال أنظمتها السياسية بأنظمة حكم إسلامية تابعة للولايات المتحدة.
وجد أردوغان في زيارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لتركيا في عام 2009 مبايعة له على متابعة هذا المخطط وإدارته للمصالح الأميركية والتركية، ولذلك قام أردوغان منذ عام 2011 بفتح حدوده لعشرات الآلاف من الإرهابيين لاجتياح الأراضي السورية وأصبح مع دول الخليج في تحالف مشترك لتحقيق هذا، لكن إحباط هذا المخطط بفضل تصدي سورية وحلفائها في المنطقة وقدرتها على هزيمة هذه المجموعات الإرهابية وانتقال روسيا إلى دور المشارك على الأرض في الحرب على الإرهابيين إلى جانب سورية وإيران والقوى الحليفة الأخرى عام 2015، أدى إلى بداية هزيمة الإرهابيين وتفتيت تحالفات أردوغان مع معظم دول الخليج والى تراجع الهجوم الأميركي على سورية. وفي النهاية شكلت تلك المرحلة بداية لخيبات الأمل التي أصابت أردوغان وسياسته وشكل التحالف السوري الإيراني الروسي عليه ضغوطاً أجبرته على تغيير قواعد اللعبة وفرضت عليه نسبياً إعادة حساباته في مختلف الاتجاهات.
لقد شكل لقاء أردوغان الأخير بالرئيس ترامب آخر ورقة يحاول اللعب بها لكي يستغل دور تركيا في لعبته الإقليمية في المنطقة، وسواء اتفق مع ترامب على خطة بديلة أو معدلة بعد اجتماع الأسبوع الماضي أم لم يتفق، فإن الوضع في شمال سورية لم يعد قابلاً إلا لأحد خيارين مقبلين: إما اتفاق أردوغان مع روسيا وإيران بصفته الطرف الثالث بين الدول الضامنة لاستقرار سورية وسيادتها فوق كل أراضيها على سحب قواته من الأراضي التي احتلتها داخل حدود سورية، وإما أن يتحمل كل العواقب والنتائج التي ستترتب على عدوانه المكشوف على سيادة الأراضي السورية وبخاصة أن ما أعلنه الرئيس بشار الأسد ضد وجود الوحدات العسكرية الأميركية ينطبق على وجود القوات التركية وتحذيره بأن «التركي هو وكيل الأميركي في الحرب وعندما لا يخرج بكل الوسائل فلن يكون هناك خيار سوى الحرب». وما بين الوكيل والأصيل يدرك أردوغان أن محور المقاومة قادر على خوض أي «حرب» تتطلبها عملية تحرير الأراضي السورية ممن كانت المجموعات الإرهابية تعمل لديهم كوكلاء، فالأميركي لم يتوقف عن تقديم الدعم لكل المجموعات الإرهابية بمختلف أسمائها وكان أردوغان الشريك الميداني له منذ بداية الحرب على سورية وما زال الاثنان يواصلان لعبة تبادل الأدوار لنفس الأهداف التوسعية ولنفس الهدف في محاولة تقسيم سورية وتفتيت قدراتها. ويبدو أن ترامب يدرك أكثر من أردوغان أن ميزان القوى في أي «حرب» مقبلة تواجهها سورية لتحرير بقية أراضيها من المحتلين في شمالها تميل كفته العسكرية والمعنوية والشعبية والتحالفية على أي قوات أميركية تتحدى هذا المحور الإقليمي الذي تشكله سورية، فهل سيكون أردوغان قادراً على هذا التحدي وهو الذي زج بعشرات الآلاف من ضباطه وجنوده في السجون بحجة الانقلاب عليه إضافة إلى عدم ثقة الجمهور التركي به وبحزبه الحاكم؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن