ثقافة وفن

مشاعر الإنسان نحو سمرة وبياض المرأة … التغني بمحاسن السمار والشقار والبياض محاور حفلت بها سهرات النساء

| منير كيال

ارتبطت نظرة المرء إلى المرأة الأولى، من حيث لون بشرتها سمرة أو بياضاً بمشاعر آنية، استحساناً أو إعراضاً، وإذا لم تكن هذه المشاعر متوارثة، فإنها ترتبط بغريزة الإنسان، فهي معروفة منذ وجد الإنسان على سطح الأرض، بل لا تزال منتشرة لدى الكثير من أبناء جيل هذه الأيام، فنجد منهم من يستريح إلى الفتاة البيضاء ومن يميل إلى الفتاة التي تكون شقراء البشرة أو سمراء.

ولقد لعبت الخاطبات حتى عهد قريب، دوراً بالترغيب بالشقراوات أو السمراوات وذوات البشرة البيضاء، بما تسبغه على كل منهن من الصفات، عسى أن يستجيب الشاب إلى اختيار من ستكون شركة حياته، وبالتالي، فقد كان الجدل يطول، حول أفضلية محاسن الشكل لدى كل منهن نتيجة لما كان لدى المتحمّسات ما يبرّر ما ذهبن إليه.
ولو أردنا استقصاء آراء المتحمّسات للبياض أو السمرة بل والبشرة الشقراء، لطال بنا البحث، وربما تشعب بنا الأمر إلى مواضيع لا تدخل في مجال اهتمامنا. وعلى هذا فإن غالب ما كان يتناوله الناس حول هذا الموضوع كان ينحصر بالانطباع الظاهري للفتاة، سواء أكانت سمراء أم بيضاء شقراء. ذلك أن منهم من كان يعتبر الفتاة البيضاء الشقراء مثل فلقة القمر، ويرون الفتاة السمراء، ثناها أبيض وعيونها دبّاحة وتسبي سبياً، على ما هي عليه من السمرة، وإذا كانت الذاكرة الشعبية لا تزال تحفل بالكثير من الأغاني التي تدغدغ المشاعر، مما يدندن به اللسان عفوياً، عما تجيش به هذه الذاكرة، من الأغاني التي تناولت السمرة، والبياض والشقار، فإن كلاً من هؤلاء الشعراء، لا يكاد يرى أمام ناظريه إلا ما ذهب إليه، عن مديح وإشادة بما هو عليه من ميل للسمرة أو البياض والشقار.
ومن جهة أخرى، فقد كان من أطرف ما يتندّر به بسهرات النساء وسمرهن، ما كان يدور من نقد أو إيثار بين اللواتي يؤثرن السمرة، واللواتي يفضلن السمرة على البياض أو الشقار، وما يرافقه ذلك من مباهاة عند كل من الطرفين من الساهرات بحيث كل قسم من الساهرات الأخريات، ينحزن إلى جانب السمرة، وأخريات يؤيدن الجانب الآخر.
وكان لكل جانب من الساهرات المبرر لما ذهبن إليه في إيثارهن السمرة للبشرة البيضاء والشقراء.
فالسمرة تتميّز على حدّ قولهن بصفات كان منها قولهن بالسمرة، أو سمار المرأة أو الفتاة.
يا أسمر السّمر يا ما عيروني فيك
أنت الورد عالشجر وأنا الندى بسقيك
وأنت القمر بالسما، وأنا النجوم بحويك
وأنت حشيشة القلب وأنا ما بفرّط فيك
وقولهن بالشقار والبياض للمرأة أو الفتاة:
يا أبيض البيض يلبقلك تشوف حالك
تغاوى ببياضك ولا على بالك
عاديت كل البيض بالكون على شانك
والسمر طقوا قهر لمّن يخطر خيالك
وقد سمحت لي ظروف البيئة الشعبية التي عشتها بمدينة دمشق، أن أحصل على العديد من أغانينا الشعبية التي تتناول الميل إلى السمرة أو إلى البشرة البيضاء الشقراء للفتاة، وذلك من سيدات دمشقيات من أنحاء متفرقة بمدينة دمشق، عما حصلت عليه من أسرتي، يوم كنت أرافق جدتي أو والدتي إلى تلك السهرات، وقد توصلت إلى قناعة تؤكد ما يذهب إليه الدماشقة من حيث موقف الجميع من سمرة بشرة الفتاة بل المرأة أو شقارها وبياضها ما يجعل المرء أمام صورة معاشة في مجتمعنا الشعبي وهذه الصورة لا تزال تتحرك بها المشاعر بين حين وحين آخر بنفوس المقبلين على الزواج ممن كاد يفوتهم القطار.
فضلاً عن ذلك، فإن التعرف إلى ذلك الموقف من السمرة، ومن الشقار والبياض، يُتيح للباحث الوقوف إلى جانب من أحاسيس الجيل الذي سبقنا، وبالتالي مقاييس ذلك الجيل للجمال، وما يحرك عواطفه ويؤجج كوامن الحب بحناياه.
ولئن كان التغني بمحاسن السمرة، والتغني بالشقار والبياض من المحاور التي حفلت بها سهرات النساء أيام زمان، فإن ذلك في أيامنا، أصبح من باب تحريك السهرة، بإيجاد المجال للتداول وتقطيع الوقت والتشويق، لأن الساهرات بالسهرة أهلية بمحلية، وجميع الساهرات لسن أكثر من لمة حبايب، خاصة بعد أن أخذ الناس يعيشون معطيات الحياة المعاصرة بما عليه من تطور، وبالتالي فقد أصبح الحديث عن السمرة، والشقار والبياض من ذكريات الماضي وذلك للرأي السائد الذي يقول:
حلاوة اللفظ أحلى من شحادة الكف
والوجه البشوش يسوي من الجواهر ألف
خذ الأصيل ولو كان بالعبا ملتفّ
لا تاخذ النذل ولو كان عنده من الجواهر ألف
ذلك أن الجمال بالروح والتعامل، والله جلّ وعلا خلق الإنسان بأحسن تقويم، والأمر في موضوع سمرة الفتاة والمرأة أو بياض وشقار بشرتها مرتبط بمقولة:
العين وما تحب
والقلب وما يعشق
وذلك تأسياً بقول أسلافنا: حبيبك حبّه ولو كان عبد أسود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن