قضايا وآراء

سارقو النفط السوري قطّاع طرق على مستوى دولي

| د. قحطان السيوفي

استطاع مستشارو الرئيس الأميركي دونالد ترامب والدوائر الضيقة المحيطة به «تطويع» محاولته رقم 3 لـ«الانسحاب العسكري الكامل» من شمال شرقي سورية، عبر تقديم مبرر مزعوم، هو منع سقوط حقول النفط والغاز في أيدي «داعش»، لكن هذا الادعاء المرفوض من المجتمع الدولي أثار جدلاً حاداً داخل المؤسسات الأميركية والاتصالات الدبلوماسية بين ترمب وحلفائه ضمن إشكالية «عدم توافر الشرعية القانونية» للمساهمة العسكرية في التحالف الدولي، شرق سورية، في وقت أعطى قوة لرأي محور سورية وحلفائها.
قرر الرئيس ترامب، منذ شهرين، سحب بعض القوات الأميركية من شمال شرق سورية، وأعطى ضوءاً أخضر للرئيس التركي رجب أردوغان لشن حرب على سورية بمشاركة فصائل إرهابية موالية له.
قرار ترامب جاء مفاجأة للجيش الأميركي والدبلوماسيين الأميركيين والعواصم الأوروبية، كما أنه ترك شعوراً بـالخيبة لزمرة لانفصاليين المسماة قوات سورية الديمقراطية. واستطاع الجيش العربي السوري استعادة بعض الأراضي المحتلة.
ونشرت الدولة السورية الجيش والأمن والشرطة، ورفع العلم الوطني السوري في مناطق سيطرتها، وعودة الخدمات ورموز الدولة، إلى المناطق التي استعادها الجيش العربي السوري.
مقابل ذلك، كان النقاش مكثفاً في واشنطن سواء المؤسسات التنفيذية أم في الكونغرس، أو في العواصم الأوروبية الشريكة عسكرياً في التحالف الدولي لإقناع ترامب «عدم التخلي عن الأكراد ومواجهة إيران وروسيا والضغط على الدولة السورية، إلى أن قرر ترامب هو احتلال منابع النفط بحجة منع سقوطه بأيدي «داعش». واتخذ إجراءات منها!
نشر جنود أميركيين ومدرعات أميركية قرب منشآت النفط والغاز السورية والإبقاء على الحماية الجوية، والاحتفاظ بـ150 جندياً في قاعدة التنف في الزاوية السورية الأردنية العراقية.
لكن السؤال الأساسي في وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»: هل الوجود الحالي كان ضمن تشريعات صدرت بعد هجمات 11 أيلول 2011، بملاحقة «القاعدة» وحماية الأمن القومي الأميركي، ما سمح بقتال «داعش»، لكن كيف يمكن الحصول على التبرير القانوني بـ«حماية النفط»؟ وفي حال هاجمت قوات الحكومة السورية أو روسيا المنشآت، ما الأرضية القانونية للعمل العسكري الأميركي؟
لا تزال مسألة قانونية عملية احتلال القوات الأميركية لحقول النفط السورية موضع جدل حتى داخل «البنتاغون». كما أن دولاً أوروبية متحفظة على المشاركة في نشر قواتها الخاصة بسبب العقبات القانونية، لأن وجود القوات البريطانية والفرنسية قائم على محاربة «داعش»، وليس حماية النفط.
كما أن «حجة النفط عززت نظرية المؤامرة في أن التدخل الأميركي لأسباب اقتصادية وليست أخلاقية كما يزعمون، ما أكد قوة صوابية وقانونية موقف سورية وحلفائها في مواجهة الاحتلال الأميركي للأراضي السورية.
وهذا يطرح أسئلة في الأوساط الدولية، حول شرعية الوجود العسكري الأميركي كاحتلال بعد هزيمة «داعش» جغرافياً، ومن ثم عدم شرعية حماية النفط السوري.
راقبت موسكو بحذر المفاوضات التركية الأميركية، حول «المنطقة الآمنة» في الشمال السوري، قبل أن تدخل على الخط لقلب المعادلات من خلال طرح خطتها للوضع على الشريط الحدودي. لكنها واصلت التشكيك بنيات واشنطن خلال وبعد إعلان الأخيرة عن سحب جزء من قواتها من المنطقة. وسرعان ما اتضح أن الموقف الروسي لم يأتِ من فراغ. لقد نجحت روسيا في تغيير خرائط النفوذ في مناطق الشمال السوري، واستعادت الدولة السورية مساحات واسعة من الأراضي المحتلة.
بقيت مساحة تضم الجزء الأعظم من مخزون سورية من النفط والغاز تحت الاحتلال الأميركي والانفصاليين. وأعلنت واشنطن تعزيز وجودها العسكري في مناطق شرق الفرات بإقامة قاعدتين عسكريتين جديدتين، ليطلق ذلك رد فعل روسياً غاضباً استخدام لهجة لم يسبق لموسكو أن تعاملت بها في خطابها السياسي، إذ اتهمت وزارة الدفاع الروسية واشنطن بـ«سرقة» الثروات السورية، ووصفت الأميركيين بأنهم «قطّاع طرق على مستوى دولي».
ونشرت الوزارة خرائط وصوراً تُبرز مسارات «تهريب النفط السوري» برعاية عسكرية أميركية. وأطلقت الخارجية الروسية حملة قوية وأعلنت أن «الوجود الأميركي في هذه المنطقة أمر لا يمكن القبول به» في إشارة إلى تصعيد نشاط دبلوماسي وعسكري لعرقلة خطط واشنطن بتثبيت هذا الوجود، وهو أمر عبّر عنه بوضوح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، عندما قال إن بلاده «لن تقبل بالوجود غير الشرعي للولايات المتحدة في مناطق الشرق السوري وسوف تدافع عن موقفها».
ويرى مراقبون أن تحركات واشنطن تثير مخاوف جدية لدى موسكو، من أن تصرفات واشنطن ستعرقل نهج التسوية السياسية للأزمة السورية في إطار مسار سياسي يستند إلى القرار 2254.
وبالتالي فإن تعزيز الوجود الأميركي في شرق الفرات، يشكل تهديداً للتسوية السياسية النهائية.
أما في البعد الاقتصادي، فإن واشنطن تعمل من خلال احتلالها للثروات النفطية السورية للضغط الدولة السورية والتأثير سلباً في مشروع إعادة الإعمار في سورية.
وهذا ما دعا لافروف للقول إنه ليس لديه شعور بأن «الاتفاق مع الولايات المتحدة على أي شيء وارد في هذه المرحلة» وأعادت هذه العبارة التذكير بإعلان موسكو عزمها تصعيد تحركاتها ضد تعزيز الوجود الأميركي في شرق سورية في إطار المؤسسات الدولية عبر الانطلاق من «عدم شرعية الوجود»، وفي هذا الاتجاه تواصل موسكو مساعيها لإقناع الانفصاليين للحوار مع دمشق على حساب تحالفهم مع واشنطن، والذي تعرض لهزة قوية بعد قرار الانسحاب من منطقة العمليات العسكرية التركية.
يسيطر الأميركيون والانفصاليون من «قوات سورية الديمقراطية»، على حقل العمر النفطي الذي يقع على بعد 50 كيلومتراً شرق مدينة دير الزور الذي كان ينتج نحو 90 ألف برميل يومياً قبل 2011.
وعلى حقل التنك المجاور الذي يبعد 32 كيلومتراً شرقي منشأة العمر النفطية، وقد تمركزت القوات الأميركية في هذه الحقول بحجة حمايتها.
كما أبقت أميركا قواتها في مدينة رميلان النفطية، الواقعة أقصى شمال شرقي سورية، بحجة حمايتها.
وهكذا يحتل الأميركيون والانفصاليون نحو 85 في المئة من الثروة النفطية السورية، إضافة إلى 45 في المئة من إنتاج الغاز الطبيعي.
حقول النفط السورية المُحتلة يتجاوز إنتاجها 50 ألف برميل نفط ونحو مليون ونصف مليون من الغاز يومياً، وتصل عائداتها المالية لنحو 30 مليون دولار أميركي كسرقة لمصلحة الأميركيين والانفصاليين.
ويُقدر إجمالي الاحتياطي النفطي الإستراتيجي في سورية بنحو 300 مليار برميل، يتوزع 75 في المئة من هذه الاحتياطيات في الحقول المحتلة شمال وشرق سورية.
أخيراً أطلقت بعض أوساط إعلامية وسياسية أميركية تحذيرات من أن إبقاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب قوات بلاده العسكرية في سورية «لحماية النفط» يعدّ انتهاكاً للقانون الدولي وقد يرقى إلى جريمة حرب، وهذا يبرر للدولة السورية حق استرداد أراضيها المحتلة وثرواتها المسروقة بكل الوسائل التي أقرتها القوانين الدولية وشرعة الأمم المتحدة.
لاشك أن سورية وحلفاءها يستعدون لمواجهة طويلة مع قطاع الطرق على المستوى الدولي وسارقي النفط السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن