ثقافة وفن

ثبات الشخصيّة

| د. اسكندر لوقا

ثمة مناسبات عديدة تتطلب منا،أحياناً، إعادة النظر في مواقفنا وليس في ذلك أي عيب. إن المواقف أحياناً أيضاً، تخضع في أكثر من مناسبة للظروف التي ترافق أو تستدعي تكونها. وفي سياق هذه الظاهرة تتشكل مبررات التصرّفات التي تدفع المرء لاتخاذ هذا الموقف أو ذاك وبالتالي تحمله على تغييره أو استبداله بموقف من نوع أو من طبيعة أخرى.
وفي اعتقادي إن هذه المسألة أي ظاهرة تغيير الموقف أو استبداله بآخر الهدف فيها التكيف، والتكيف، كما نعلم، في تقدير علماء النفس مظهر حركي وصحي في آن واحد. وفي اعتقادي أيضاً أن التكيف يلعب دوراً بارزاً في رسم الخطوط العريضة للإنسان وقد يكون طريقاً سوياً للباحث عن الكمال في حياته الشخصيّة.
وهنا يصح القول إن هذه المسألة لا تعني، بأي حال من الأحوال، التلون أو التشتت في الشخصية بتعبير آخر. إن التغيير في المواقف لا تتطلب بالضرورة التخلي عن الجانب المتصل بالمبدأ لأنه مركز الجاذبية في الكيان البشري ومن خلاله يتخذ قرار التغيير أو الاستبدال.
وفي سياق هذه الوقفة نرى فرقاً شاسعاً بين اتخاذ القرار الذي لا غنى عنه لاستعادة التوازن في الشخصية وبين تمرير الوقت حتى تأتي فرصة التغيير أو التبديل، وهذا ما يستدعي بناء التربية الحديثة على قواعد القدرة على تخطي العقبات التي تواجه الجيل الناشئ وتنزع من قلوبهم الخوف والتردد في اختيار الموقف وصولاً إلى ما يثبّت شخصياتهم في كل الأحوال الطارئة في حياتهم.
في عالم المفاهيم التي لا حصر لها ولا لون، غالباً ما يتسلل الخوف إلى قلوب أبناء الجيل الناشئ الأمر الذي يستدعي بذل الجهد لترسيخ قيمنا الحضارية والثقافية لديهم، وبذلك يأخذ حسن الاختيار مكانته قيل التغيير والتكيف المرتبط بظرف أو بآخر.
إن بذل الجهد في هذا المجال، مجال التربية الحديثة، يحول دون تردّي أبنائنا وأحفادنا في غمرة البحث عن المصير دون سلاح العلم في أيديهم وصولاً إلى ما ينشدونه في عالم مليء بالمواقف والنظريات والمفاهيم التي لم يعد أحدنا يعرف ما الصحيح فيها وما الخطأ. من هنا يكون للتربية المنشودة دورها الفاعل في صناعة جيل تحدي المستحيل إن صح القول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن