ثقافة وفن

دعوة لمشاريع التراث الثقافي في سورية للمشاركة في جائزة إيكروم – الشارقة … مشروع توثيق دار عمر باشا كان من بين 14 مشروعاً مرشحاً للفوز بالجائزة في دورتها السابقة

| الوطن

أطلق المكتب الإقليمي لحفظ التراث الثقافي في الوطن العربي «إيكروم – الشارقة»، برعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، قبل عامين جائزة إيكروم- الشارقة للممارسات الجيدة في حفظ وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية، بهدف تكريم ومكافأة الأعمال المتميّزة التي تسهم في حماية التراث الثقافي المادي وإحيائه في العالم العربي، وتعتبر هذه الجائزة اليوم واحدة من أهم جوائز التراث الثقافي في المنطقة وتُمنح مرة كل سنتين.

فئات الجائزة
تضم الجائزة فئتين رئيستين، فئة المواقع والمباني، وفئة المجموعات، ويتم منح جائزتين وفقاً لذلك. ويسلط برنامج الجائزة الضوء على الممارسات الجيدة في حفظ التراث الثقافي وإدارته من حيث المهارات الفنية المستخدمة وكذلك الأثر الاجتماعي والاقتصادي للمشروع على المجتمعات المحلية. ويتم تقييم الحماية التي وفّرها المشروع بمدى فعاليّته في حفظ التراث الثقافي من التهديدات المنظورة الطبيعية منها أو البشرية. وقد ينطوي المشروع على تقنيات الإنقاذ والتسجيل، وأعمال التدعـيم والإصلاح، أو الترميم وإعادة التأهيل، أو إعادة الإعمار والبناء بعد الدمار.
وتبدو شروط المشاركة في المسابقة عملية وميّسرة، إذ يسمح لأي عضو مؤهل لتمثيل مشروع حفظ التراث الثقافي في المنطقة العربية أن يتقدم للمشاركة في المسابقة، سواء كان المشروع قد تم تنفيذه من المؤسسات العامة أم الخاصة أو مؤسسات القطاع المشترك أو بمبادرات القطاع الخاص. على حين لا يتم الأخذ بالحسبان حجم أو ميزانية المشروع، بل الأثر الاِجتماعي الذي يشكله على أصحاب العلاقة، كالمجتمع المحلي الذي يعتبر نفسه «مالك» هذا التراث، أو المجتمع المستفيد منه، والفرص التي يتيحها من خلال إعادة استخدام التراث أو زيادة تقديره من الجمهور العام. كما ينبغي أن يكون العمل قد أنجز خلال السنوات الثلاث الماضية، ويمكن تقديم المشاريع التي لا تزال قيد التنفيذ إذا كان قد تم إنجاز جزء كبير منها بنجاح وإذا كانت أيضاً تفي بالمعايير المطلوبة.

اهتمام الجائزة
استطاعت الجائزة، رغم عمرها القصير نسبياً، أن تحظى باهتمام كبير من المهتمين والمتابعين لشأن التراث الثقافي في المنطقة العربية والعالم، وعكست حاجة حقيقية للتعريف بالمشاريع الرائدة واللافتة التي تعنى بالحفاظ على الهوية الثقافية والتراث الغني والمتنوع في المنطقة العربية والاحتفاء به. واستقطبت الجائزة أعداداً كبيرة من مشاريع التراث الثقافي في دورتها الأولى قبل عامين، وتنوعت هذه المشاريع والمجالات التي تغطيها، كما تعددت الدول التي تمثلها، حيث شملت القائمة القصيرة 14 مشروعاً متميزاً من مصر، والجزائر، وفلسطين، وسورية، والمملكة العربية السعودية، ولبنان، وعُمان، والأردن، واليمن.
وعلى الرغم من فوز مشروع واحد بالجائزة في دورتها السابقة، وهو مشروع إحياء المركز التاريخي في بيت ساحور، فلسطين، إلا أن جميع المشاريع الـ 14 التي تم اختيارها حصلت على التكريم والتقدير الذي تستحقه من خلال اختيارها جميعاً ضمن القائمة القصيرة للمشاريع المرشحة للجائزة من بين العشرات من المشاريع المتقدمة. كما تم تكريم جميع هذه المشاريع ضمن حفل الجائزة الذي أقيم في الشارقة في شباط من عام 2018.

اختيار من سورية
وبينما نسلط الضوء في هذا التقرير على أحد المشاريع التي تم اختيارها من سورية ضمن القائمة القصيرة للجائزة في دورتها السابقة، ونعني هنا مشروع توثيق دار عمر باشا في دمشق، نتمنى أن يكون هذا المشروع حافزاً حقيقياً لمشاريع أخرى مماثلة من سورية وجميع الدول العربية من المحيط إلى الخليج للترشح والمنافسة للحصول على جائزة إيكروم- الشارقة للممارسات الجيدة في حفظ وحماية التراث الثقافي في المنطقة العربية في دورتها الحالية، وخاصة أن مكتب «إيكروم – الشارقة» أعلن منذ فترة عن تمديد الموعد النهائي لقبول طلبات المشاركة في المسابقة لغاية الأول من 2019، في خطوة لافتة تسمح للمزيد من مشاريع حفظ التراث الثقافي، ذات الأهمية البالغة للمجتمع المحلي أو المجتمع الأوسع، الاستفادة من هذه الفترة الزمنية الإضافية والتقدم للجائزة.

مشروع توثيق دار عمر باشا
في دمشق
يقع مبنى دار عمر باشا في دمشق ضمن منطقة أثرية مهمة ومتنوعة جداً، ويختصر بين ثناياه ما يُقرب الثلاثمئة عام من التاريخ. سُجل المبنى بمرسوم فردي عام 1988م أي قبل ثمانية عشر عاماً من تسجيل «الميدان» مَعْلماً أثرياً عام 2006م. ورغم أهميته التراثية والتاريخية تعرض الموقع لفترات طويلة من الإهمال الذي أنهك المبنى وأخفى قيمه ومعالمه المعمارية والتاريخية. هذا الأمر دفع فريق العمل للقيام بمجهود فردي وتمويل ذاتي بسيط بإنجاز هذا المشروع ليكون صرخة موجهة لجميع شرائح المجتمع بضرورة حماية التراث ولو بوسائل بسيطة متاحة والحفاظ على مفردات آثارنا من التهريب والضياع.
ويقول فريق العمل حول الأهداف التي تم وضعها للمشروع: «كان الهدف الأساسي للمشروع هو توثيق الأنقاض الموجودة التي يمكن ترميمها والحفاظ عليها وتعويض التالف منها وإعادة تجميعها والحفاظ عليها. إن الإهمال بحماية الآثار والثغرات القانونية يجعل هدم النسيج المعماري أمراً بسيطاً من دون الوعي بأهميته، لذا حاولنا إعطاء بديل من إعادة التأهيل وهو عدم هدم ما هو قائم بل إعادة استخدامه بطريقة منهجية صحيحة، فنكون قد ربحنا تراثنا وحافظنا عليه إضافة إلى تفعيله وفق احتياجات الأهالي والجوار المحيط فيه بما لا يؤثر في أهميته أو مكانته».
ويضيف فريق العمل: «بعد عمل استبيان اشترك فيه الجوار لتحديد الوظيفة المناسبة للدار بعد عملية التأهيل ما يناسب متطلبات الحي والجوار ويخدم مصالحهم، كان النشاط المقترح هو إقامة مركز «صُناع الأمل» لتأهيل وتدريب الشبان والشابات على الحرف اليدوية التقليدية ودمجهم بالمجتمع بعد انتهاء الحرب من خلال تدريبهم وتأهيلهم ودعمهم ثقافياً واجتماعياً ومهنياً ليكونوا جزءاً فاعلاً في رحلة التعافي.
ومن هنا تأتي أهمية المشروع في دمج الشباب بإعادة إعمار الوطن بعد انتهاء الحرب وتدريبهم وإشراكهم في خريطة بناء المستقبل. وقد تم اقتراح تأهيل المبنى والأبنية المجاورة وإعادة توظيفه ليكون مركز «صُناع الأمل» من دون هدم أي جزء من المبنى، بل بأسلوب يعتمد على إعادة توظيف المبنى التاريخي من دون المساس بعناصره المعمارية أو الإنشائية ليكون مثالاً واضحاً بأنه من الخطير جداً التعامل مع الأبنية الأثرية باستهتار، وعلينا مراجعة الاستملاك الواقع على المباني الأثرية بشكل كامل وضرورة إشراك مراكز التراث والمعنيين بشؤون التراث بأي قرار استملاك أو هدم أو ترحيل لأنقاض المباني المسجلة أو التاريخية غير المسجلة.
وقد ارتأت لجنة التحكيم أن تمنح شهادة تقدير لمشروع البحث في أنقاض دار -عمر باشا- في دمشق التاريخية والمقدم من المهندس ماهر الرواس وفريق عمله، حيث تم هذا العمل في الظروف المستعصية لما تشهده مدينة دمشق من تدهور الموروث المعماري، وتفاصيلها الحرفية والفنية. كما يعتبر هذا المشروع البحثي محاولة جادة لإنقاذ الأنقاض من خلال توثيق الأضرار وتجميع ما تبقى منها من مواد واستعادتها بالبحث والتوثيق المهني الدقيقين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن